حليمة بنت يعقوب... مرة أخرى

مدار الساعة ـ نشر في 2019/06/22 الساعة 03:57
يطرح انتخاب حليمة بنت يعقوب رئيسة لسنغافورة جملة واسعة من المؤشرات والقيم والشواخص، التي تحثنا على تأملها، عسى ان تنفعنا.
زرت حليمة بنت يعقوب عام 2011 بصفتي سفيرا غير مقيم لدى سنغافورة وبصفتها وزيرة الشباب والرياضة في بلادها.
سألتني عن السُّنة والشيعة. وعن الربيع العربي. وعن المماطلة والممانعة في إجراء الإصلاحات. وعن «أحوال شقيقاتي النساء العربيات». وعن اهل الكهف ومغطس السيد المسيح (قالت عليه السلام بالعربية) والبحر الميت والبتراء ووادي رم.
حليمة زوجة محمد عبد الله الحبشي، العربي الأصل. ابنة السيدة التي تنتمي لأقلية الملايو. ابنة الحارس المسلم المتحدّر من الاصل الهندي. أصبحت رئيسة لبلادها بالانتخاب، فوصفت ذلك بأنه «لحظة فخر لسنغافورة وللتعددية الثقافية وللتعددية العرقية».
لقد نجت هذه السيدة الرهيفة، من الولادة في عالمنا العربي، وفجّر انتخابُها، الذي تزامن مع سقوط الخزعبلات المضحكة المخزية، حول مزايا منع سواقة المرأة، الكثيرَ من التابوهات.
بيّن انتخابُها أهمية ودور الحزب السياسي الاجتماعي في الانتخاب المتحرر من عقد الماضي وأوهامه وتخلفه. فكما في انتخاب المسلم الباكستاني ابن سائق الحافلة صادق خان عمدة لمدينة لندن، اعرق عواصم المسيحية في العالم. كذلك في انتخاب سيدة فقيرة رئيسة جمهورية، كان الفضل فيه للأحزاب العلمانية المدنية.
انتخبت سنغافورة، رابع اهم مركز مالي في العالم، سيدة مسلمة معدمة كليا، عانت من الفقر في طفولتها، بسبب وفاة والدها وهي في سن الثامنة، مما اضطرها إلى العمل في متجر لبيع الأطعمة وفي عمليات التنظيف والغسيل وفي توزيع طلبات الطعام على الزبائن.
وسنغافورة فعلت ذلك أيضا، حين انتخبت الهندوسي «سيلابان راما ناتان» ذا الأصول التاميلية الهندية رئيسا لها، وهو الرئيس الذي قدّمت له اوراق اعتمادي عام 2008.
أية مؤشرات ودلالات يوفرها انتخاب حليمة على وضع النساء والمسلمين والعرب والأقليات في بلد مكون من خليط كبير من الثقافات البريطانية، الماليزية، الصينية، الهندية والباكستانية.
في بلد 75 % من سكانه صينيون. وفي بلد سكانه: 33 % بوذيون. 18 % مسيحيون. 18 % لا دينيون. 15 % مسلمون. 9 % طاوية و4 % هندوس ؟.
يوفر العالم المتقدم الفرص الكاملة لكل ابنائه لأنه يسير على قواعد المواطنة التي تُطبّق على الجميع.
وفّر هذا العالَم فرصا للمصري العربي المسلم احمد زويل حتى حاز جائزة نوبل. ولباراك حسين أوباما حتى مقعد رئاسة اميركا وقيادة العالم.
لم اصدق يوما من الأيام، أكذوبة أن العالم يستهدف الإسلام. أو أن العالم مُنحلٌّ وبلا اخلاق وبلا شرف. فقد تقدم العالم، بالتنظيم والدقة والصدق في المواعيد والشرف والإتقان والائتمان وبالقانون.
يدعو الملك بكل حرص ولهفة، القيادات الاقتصادية الأردنية، أن تذهب وتتعلم من سنغافورة. حسنا هاهي سنغافورة امامكم، لماذا لا تنهلون منها؟
لكن سنغافورة منظومة كاملة من القيم والعناصر. من الثقة بقدرات النساء. الى الحفاظ على الممتلكات العامة. الى الشفاء من العصبيات والجهويات والاقليميات والمذهبيات. الى المساواة بين المواطنين. الى النظام التعليمي العلمي المعاصر. الى النزاهة والشفافية. الى دفع الضريبة وحقوق الدولة. الى نظافة الشارع والحافلة.
إن رابع اهم مركز مالي في العالم، هي جزيرة محصورة بلا ارض كافية وبلا موارد طبيعية. تشتري التراب من سواحل ماليزيا وإندونيسيا وتطمر به البحر لكسب بضعة امتار.
وسنغافورة التي أدى نظامها السياسي الإنساني، الى رفعها في مؤشر جودة الحياة إلى الدرجة الأولى في آسيا والمرتبة الحادية عشرة على مستوى العالم، ممتنة على مدى التاريخ، للزعيم لي كوان يو، أول رئيس وزراء حكمها لثلاثة عقود متتالية، فاشتهر بصفته مؤسس الدولة وناقلها من العالم الثالث إلى الأول خلال أقل من جيل.
كان اثرياء العرب يهرعون إلى سنغافورة صيفا وشتاءً، لأن طقسها جميل مستقر، ولأن اسعارها دائمة الارتفاع!! كانوا ينفقون بهبلٍ وبلا حساب. كانوا يفرغون المتاجر كأنهم في حالة نهب.
ولما استاء السنغافوريون من زوارهم المتعجرفين، واصبحوا يخشون على نمط حياتهم، حين أصبح الإرهاب لصيقا بالعرب، جعلت السلطات الحصول على تأشيرة المرور والعبور، كالحصول على لبن العصفور.
الدستور
مدار الساعة ـ نشر في 2019/06/22 الساعة 03:57