رامي المعادات يكتب : البدوي ما يترك وليفه
"البدوي" ما يترك وليفه
كتب: رامي المعادات
اغلقت الباب بهدوء، وقالت لي: لأنك بدوي، والبدوي "ما يترك وليفه"، ثم مضت، مضت وعينها مليئة بالدمع مضت بكل خجل ووفاء، عجلت بالبعد ولم تعلم ان الاحوال والايام تتبدل وتتغير، حتى الناس والشوارع والزقاق والدكاكين العتيقة تتبدل.
اتكأت على البداوة وقررت البعد، فهي تعلم جيدا ان "البدوي" حتى وان حدته الظروف والازمات من كل اتجاه يبقى بدوي والبدوي ما "يبوق"!.
البدو يا عزيزتي، اخر ما تبقى من النقاء والصدق والوفاء، واخر عناوين الفروسية والشهامة.
البدو يا عزيزتي، حفظت العهود، ونار البارود، وند لكل نمرود غير محمود.
البدو يا عزيزتي، لا يتقنون فن الكذب والخداع، كلامهم "خشن" كما حياتهم.
يا عزيزتي إن حاولوا طمس الهوية، حتى وان غابت المراعي والبيوت المبنية، حتى وان تسيدت "الليبراليا" ووصفت البداوة بالتخلف والرجعية والهمجية، وإن ضاقت البلاد بالاحرار، فالبداوة ستبقى حاضرة رغم الحصار، حاضرة بقيمها التي تجري مع الدماء، لا يغرنك المظهر فالنفس هي الجوهر، ولا تلتفتي الى ربطة العنق "والهندام" ولا الى بيوت الحجر والسيارات "الهايبرد" حتى الساعة والهاتف النقال، حتى العطر الفرنسي الفاخر لا يغرنك، فإن النفوس ما زالت تسكنها "روح البدواة" والتمرد والعناد.
النفس يا عزيزتي ما زالت ترفض الضيم، تتكأ على جراحها وتمضي بكل ثبات محافظة على ما مضى وترسم الطريق بكل ثبات وعزيمة وهمة قوية، مازالت رغم دخان المصانع والسيارات والازمات تسير وتشق الطريق تلو الطريق وتبعث في نفوس من حولها القيم الاصيلة.
فيها من الشجاعة والعنفوان والصلابة، كما الرقة والشاعرية، فيها من كل ميزة عنوان، تشبه رذاذ المطر وأول الندى على اوراق الشيح والقيصوم.
البدو هم مهد القصيدة واول ابياتها، عجت صحاريهم بالحب الصادق والعهد الصادق، البدو حتى وان غابت عنهم الأصايل وصهيلها، وحبست باسطبلات للخيول على جنبات الطريق للتنزه والتصوير وركوب ظهرها بثمن بخس، فلا تتعجبي لأن الواقع تغير والخيل من خيالها!.
البدو هم رفقاء الليل ووحشته، لا يخيفهم عواء الذيب، اسألي عنهم الليالي المظلمة والسنوات العجاف، هم رفقاء "الربابة" وتعليلاتها، الم تسمعي عنهم؟
لم يمر بيكي يوما "طاري" عبد المحسن ابوالغنم ومنبع القصيد والحكمة نمر بن عداون، الم تسمعي عن ابن ختلان ونمر العريق العبادي، هل غفلتي عن شيخ المجاهدين مبارك ابو يامين العبادي وعبد الله اللوزي وغيرهم ممن رسموا لنا "خارطة" نسير بها مطمئنين، هل سمعتِ جرة الربابة وطلاقتها حين تمزج الكلمات الثقال بلحن بسيط كبساطة حاملها.
القبيلة اليوم في ظل التطور السريع اصبحت معيار للجهل بنظر الجهلة، نعم صدقيني يحاولوا ان يطمسوا هذا المصطلح ويلغوه من حياتنا ويقتصروه بمسلسل يصور لنا بيوت الشعر "بشراشيب" كثيرة اشبه ما تكون كالتي نراها على قناة وناسة، وفارس يعشق بنت الشيخ ولقاء تلو الاخر على الغدير وشيوخ همهم الاكل "وصب قهوة يا هويمل" وبنات القبيلة يردن الماء بغية لقاء الحبيب، لا تصدقيهم يا عزيزتي.
فالارض تشهد، هم حراسها ساقتهم الاقدام عند نداء الوطن الى العسكرية وحروب الامس تشهد، تلثموا بمناديلهم "والعقال معنقر" حاملين ارواحهم بيد والبنادق بالاخرى، معلنيين ان للأرض رجال تحميها، متخذين شعارا لهم "الموت ولا المذلة"، وجسر اللمبي وداميا و"الشريعة" خير شهود.
كل شيء تغير يا عزيزتي، اصبحت انا الغريب في بلدي، فالدولة المدنية التي يتغنون بها ويسعون الى اقامتها تجردني من اصلي ومن عشيرتي، حتى اسمي مطمع لهم ويجب ان اكتفي بذكره من ثلاث مقاطع مع اسقاط اسم العائلة "العشيرة"، مطلوب ان تكون مدنيا بكل جوارحك حتى تواكب التطور والحضارة، مطلوب ان تنسى ماضيك، ونسيوا ان من لا ماضي له لا حاضر له.
يريدون لي ان اتغير وان اضع للشرف والرجولة نسب تتماشى مع الحاضر، فالبداوة اصبحت عنوان للأنغلاق، لكن هيهات ان ترضى النفس بالضيم.
ولأن النفس "عيت تساير هواهم" ... سأبقى هنا، فالارض ارضي والجبال والصحاري وارض "الوعر" تعرفني حتى وإن هم انكروني، سابقى يا عزيزتي "بدويا" وإن جارت على الايام، فكل شيء يباع ويشترى الا القلوب الصافية الصادقة، ورغم هذا الزحام سنلتقي يوما اليد باليد والقلوب تتراقص فرحا، "ترى ما للوليف الا وليفه".