الطراونة: مهما تعرض مجلس النواب للنقد بين الحين والآخر

مدار الساعة ـ نشر في 2017/03/15 الساعة 13:25
مدار الساعة - قال رئيس مجلس النواب عاطف الطراونة إن ما تشهده المنطقة من تداعيات خطيرة، خصوصاً في هذه الحقبة العصيبة، باتت تنذر بعواقب وخيمة على تاريخ الأمة كلها، وعلى مستقبل أجيالها.

وأضاف، بمحاضرة بعنوان "موقع النظام النيابي في تصميم السياسات الوطنية" في كلية الدفاع الوطني الملكية الأردنية اليوم الأربعاء، أنه من الواجب علينا في الأردن قراءة تلك التطورات بعمق، ووضع مصالح وطننا وشعبنا فوق كل اعتبار، لتجنيب مسيرتنا، أي انعكاسات سلبية لتلك الأحداث والتطورات، لا قدر الله.

وتابع الطراونة أن الظروف الإقليمية، القريبة منا والبعيدة، وتقاطع المصالح الإقليمية والدولية، تتطلب منا الحذر التام، وحشد صفنا في خندق واحد، خلف قيادتنا الهاشمية.

وأوضح أننا بذلك نحصن مسيرتنا في مواجهة الخطر، لصون وحدتنا الوطنية، لكي نواصل مسيرة الإصلاح عبر الحوار الوطني الهادف والمتزن، بعيدا عن سائر مظاهر التطرف والشطط، لنقدم للإقليم وللعالم بأسره، الأنموذج المتقدم الراقي، في الحوار والإصلاح وإعلاء شان الوطن، عبر منهجية ديمقراطية تحترم الرأي والرأي الآخر، وتؤمن بوحدة هذا الشعب بسائر مكوناته، وبحقه في المزيد من الحرية والكرامة والحياة الأفضل.

وقال إن الحرب الإرهاب هي أولوية أردنية، وإن ما تشهده حدودنا الشمالية والشرقية، وحتى الغربية، هي مدعاة للحذر الشديد، مضيفاً إن ذلك لا يمكن التعامل معه إلا من منطلق تحصين الصف الداخلي، الذي لا يتأتى إلا من خلال استكمال مسرة الإصلاحات الشاملة، وتحمل الأعباء الاقتصادية المترتبة على استضافة اللاجئين السوريين، وارتفاع الفاتورة الأمنية نتيجة عدم استقرار الحدود والأزمات التي تشهدها سورية والعراق، وتراجع الدعم الدولي فوق كل ذلك.

وأكد الطراونة أنه وأمام هذه التحديات لا بد من مواجهتها نظاما بأركانه الدستورية، وشعبا بكامل وعيه.

وقال، موجها كلامه للحضور، إنني أقدم لكم تصوري عن عنوان هذه المحاضرة، وهو عنوان بحثي من الناحية الدراسية، سياسي من جهة الحوار والنقاش، ولعلي أتقدم بطرحي على جناح الموقع الذي أشغله انتخابا مباشرا في مرتين الأولى في الانتخابات النيابية الأخيرة التي جرت العام 2016، وثانيا كرئيس لمجلس النواب الغرفة الأولى في مجلس الأمة منتخبا من زملائي النواب.

وأكد أن عنوان هذا المساق شكل وسيظل يُشكل؛ أهم ثابت من ثوابت نظامنا السياسي التي نعتبره جميعا الضمانة الحامية لنا ولمستقبل أبناءنا، وهو النظام الذي استلهم كل قيم الديمقراطية والانفتاح منذ أن كان العرب من حولنا منغمسين بفوضى عدم الاستقرار؛ أنظمة وشعوب.

وقال الطراونة إنه في الوقت الذي كانت المملكة منشغلة بوضع مداميك البناء منذ عهد الملك المؤسس عبدالله الأول، مرورا بأبي الدستور الملك طلال، حتى عهد الراحل الكبير الحسين الباني، وصولا لعهد جلالة الملك عبدالله الثاني المعزز، كان العرب منشغلون في البحث عن شكل أنظمتهم السياسية، عبر الانقلابات العسكرية، وبعيدا عن كل مسارات البناء الديمقراطي.

وزاد لقد أسست المملكة نواة نهضتها على أسس التمثيل الشعبي في المجالس النيابية، عبر أصدق تعابير المشاركة الشعبية من خلال الاقتراع والتصويت لاختيار المجالس النيابية منذ نهاية عشرينيات القرن الماضي، فكان النظام مكملا ومتضامنا مع شعبه لا مُعطلا لتطلعاته وطموحاته.

وتابع لا أبالغ في فهمي لفلسفة الدستور الأردني الذي نص في فاتحة بنوده بأن "نظام الحكم نظام نيابي ملكي وراثي"، وهو ما طبقه النظام السياسي روحا وفعلا، لا قولا وتنظيرا.

واوضح الطراونة أن التمعن في تفاصيل الدستور، وما اشتمل عليه من فكر تنظيم اجتماعي سياسي بلغة تشريعية، تقودنا لاستخلاص النتيجة التي نعيشها اليوم، فالشعب الأردني تفتح وعيه مبكرا على المشاركة السياسية، وهو ما جعلنا نملك حسا فطريا في التعامل مع الحريات العامة المسؤولة والمنضبطة.

وأشار إلى أن الأمة مصدر السلطات، والسلطات متوزعة على المسؤوليات بفصل متوازن، ودقة مرصودة، فسلطاتنا الدستورية؛ التشريعية والتنفيذية والقضائية، هي ناتج حكمة العمل بالدستور روحا ونصا، وفق مبدأ الفصل بين السلطات عبر مرجعية واضحة، وهي أن جلالة الملك هو رأس السلطات الثلاث؛ كحكم بينها لا متدخل فيها.

وبين أن الدولة الأردنية، كانت نتيجة لنهج شوري رسخه الملك المؤسس عبدالله الأول طيب الله ثراه، لافتاً إلى أن الديمقراطية البرلمانية كنهج مملكة وملك، أفرزت دولة حرة مستقلة، هي اليوم، المملكة الأردنية الهاشمية صاحبة الدستور المحكم الجامع، الذي يتضمن وبدقة الأوجه الذي يمارس الشعب فيه سلطاته.

وتابع الطراونة "هنا يبرز دور وموقع النظام النيابي في تصميم السياسات الوطنية، وإدارة شؤون الدولة، وهو دور تشريعي ورقابي، وسياسي كذلك، فالمجلس هو صاحب سلطة إلى جانب مجلس الأعيان، في إعداد وتصميم التشريعات الناظمة للأداء الشمولي في الدولة، وهو المراقب على أداء الحكومات وقراراتها وإجراءاتها في هذا المجال، وهو يملك سلطة منح الثقة للحكومات، ونزعها منها أو من أي من وزرائها".

إلى جانب مناقشة وإقرار أو رفض الموازنات العامة للدولة، وهو صاحب رأي في مجمل السياسات العامة للدولة، داخليا وخارجيا، بمعنى أن مجلس النواب، يملك صلاحيات أساسية في تحديد جوهر وشكل المسار العام للدولة، ويمارس هذه الأدوار وفق استقلالية تمليها اتجاهات النواب كتلا وأفراد.

وبين أنه بالتالي يحتل الموقع المتقدم في تصميم السياسات الوطنية، بمعنى أن تلك السياسات، لا يمكن لها أن تجد طريقها الى التنفيذ، إلا بموافقة البرلمان بشقيه النواب والأعيان في حالات محددة دستوريا، ومن أبرزها الموازنة العامة للدولة، وإلا بموافقة مجلس النواب منفردا، كما في حالة الثقة بالحكومات، وكشرط أساسي لإجازة مزاولة الحكومة لعملها.

وذكر أن دستور المملكة، أناط السلطة التشريعية بمجلس الأمة والملك، فالملك بموجب الدستور شريك "إن جاز التعبير" مع مجلس الأمة في السلطة التشريعية، بينما تناط بجلالته السلطة التنفيذية (الحكومة) ويتولاها من خلال وزرائه، أما السلطة القضائية، فهي سلطة مستقلة، تتولاها المحاكم، وتصدر أحكامها باسم الملك، وفقا لما نص عليه الدستور.

وقال إن وجود الملك الدستوري على رأس السلطات الثلاث؛ هو ضمانة لتلك السلطات من جهة، ولوقف احداها إن تمادت أو تطاولت على مصالح الشعب الأردني أو تداخلت أعمالها على حدود السلطات الاخرى، وهو ما يجعل نظامنا السياسي مصانا من المساءلة، لكنه شريك وطني في المسؤولية، التي دائما يستخدمها جلالته لصالح الانحياز لمصالح المملكة العليا ومصالح الشعب.

وأكد الطراونة أن الدستور الأردني، وما طرأ عليه من تعديلات خلال العقود الماضية، وصولا للتعديلين الأخيرين، اللذين جاءا وفقا لمتطلبات الظروف والتطورات، كان وما يزال وسيبقى غاية في سمو الفكرة وبعد النظر ونزاهة الرأي.
وأوضح فهو دستور جامع يحاكي الحاضر ويستشرف المستقبل، وظل على الدوام موضع احترام والتزام كاملين، معرباً عن فخره بأن لدينا محكمة دستورية، تختص بتفسير أحكام الدستور، بعد أن كان المجلس العالي لتفسير الدستور، يتولى هذه المهمة الجليلة، لعقود عديدة خلت.

وقال إن الدستور الأردني الذي ابرز وبشكل خاص، دور ومهام مجلس النواب، ينطوي على روح سياسية معمقة في الرؤية والقرار، أكثر مما يمثل من الالفاظ والعبارات، بمعنى أن هذا الدستور، روح ومعنى أكثر منه كلمات، فهو يحفظ الحقوق، يجلي الأدوار، يفصل بين السلطات، يؤكد على تكامل أدوارها، يمنع هيمنة أي سلطة على الأخرى، ثم يترك لكل منها ممارسة دورها كاملا غير منقوص، ويضع الكرة في ملعب كل منها إن هي قصرت أو تخاذلت في أداء المهمة.

وأضاف أن هذا البلد العزيز، عانى من ظلم القريب والبعيد كثيرا، وهو ظلم إما ناتج عن جهل بالمضمون، أو هو ظلم مقصود، وهو ظلم يقرأ المشهد العام للدولة الأردنية، كما لو كان دستورها مصمما لوضع كامل الصلاحيات والسلطات، بيد القيادة العليا للدولة، وهذا غير صحيح على الإطلاق ، فالأمة هي حقا مصدر السلطات.

وشدد الطراونة على أهمية وجدية موقع البرلمان ومجلس النواب تحديدا، في تصميم السياسات الوطنية، وعمق المقاصد الوطنية النبيلة للدستور الأردني، والذي يعتبر المظلة الرئيسة لمجمل الأداء العام للدولة الأردنية، وسائر مؤسساتها.

وتساءل "هل ينهض مجلس النواب بدوره هذا بكفاية واقتدار؟"، مؤكداً في الوقت نفسه أن مجلس النواب، ظل دوما الأمين على الوفاء للوطن، وللدور، وللصلاحيات التي حددها الدستور، ولو تصاعد السؤال الى مجلس النواب الموقر الحالي، فإن المجلس يتصدى للمهمة بكل اقتدار، خاصة وانه ينطوي على كفاءات وطنية متميزة، يتمتع بها سائر أعضائه.
وذكر مهما تعرض المجلس للنقد بين الحين والآخر، فنحن في المجلس، ننظر إليه، باعتباره نقداً وطنياً لصالح تحسين أداء المؤسسات الدستورية، حتى لو تجاوز حدود المألوف، مثلما نؤمن بان علينا أن نعمل اكثر، وان نؤدي واجبنا نحو وطننا وشعبنا الكريم، وقيادتنا الهاشمية الكريمة، ضمن أقصى طاقاتنا، ووفق ما حدد لنا الدستور.
كما أكد الطراونة أن ضعف الحياة الحزبية في البلاد أثرت بشكل مباشر على وجودها في البرلمان، ما أدى إلى ضعف البرامج النيابية، وضعف الكتل، وذلك ببساطة لأنها تتشكل على أساس توافقات فردية، وليس برامج سياسية.
وأعرب عن أمله أن تنهض الأحزاب من سباتها وتقترب من تطلعات المواطن، ليثق بها وينتخب برامجها، وبالتالي تحظى بالحضور النيابي الحزبي، المعول عليه بأن يكون فاعلا على صعيد مستقبل الحكومات البرلمانية التي تشكلها الأغلبية النيابية سواء ككتلة واحدة أو عبر ائتلافات بين كتل تعظم القواسم البرامجية التطبيقية المشتركة بينها.
وفي نهاية المحاضرة، التي حضرها أمر ورئيس وأعضاء هيئة التوجيه الوطني في الكلية، جرى نقاش موسع، أجاب خلاله الطراونة على أسئلة واستفسارات الدراسين في دورتي الدفاع 14 والحرب 13.
مدار الساعة ـ نشر في 2017/03/15 الساعة 13:25