حقوق الإنسان بين الأمن والحرية

مدار الساعة ـ نشر في 2019/06/14 الساعة 01:34
الجدل الدائر بين رعاة الأمن والمدافعين عن الحرية لم يبدأ بالأمس ولن ينتهي غدا، فهو جدل انطلق منذ ان تشكلت المجتمعات واستمر عبر مسيرتها ولن يتوقف قريبا. في كل مجتمع وتنظيم انساني هناك من يدعو الى الحفاظ على ما هو موجود ويعمل على تقديس الممارسات السائدة وينبذ من يفكر في الاعتراض عليها او يحاول انتقادها والتشكيك في نزاهتها وملاءمتها، على الجانب الآخر يوجد اشخاص وجماعات يرون ان لهم حقوقا سابقة على النظم القائمة ويؤمنون بحقهم في ممارسة هذه الحقوق والاستمتاع بها حتى وان لم يعجب ذلك من يملكون السلطة ويتولون مهام الضبط والحفاظ على النظام. اعترافا بهذا الواقع وفي اعقاب الحرب العالمية الثانية وخلال التفكير في ايجاد هيئة الامم المتحدة كتنظيم انساني يحافظ على الامن ويراعي حقوق الانسان في الحرية والامن والعدالة والتنمية ويمنع تكرار حدوث التعديات التي وقعت على كرامة وحقوق الانسان اثناء الحرب فقد اشتمل التنظيم الاممي الجديد على ثلاثة اركان رئيسة ثلاثة تمثلت في الجمعية العامة ومجلس الامن ومجلس حقوق الانسان. وقد تقاسمت هذه المكونات المهام التي تأسست الهيئة لتحقيقها ووضعت الاتفاقيات والعهود والبروتوكولات الكفيلة بصيانة الحقوق وتوفير الحماية وتحقيق اعلى درجات الامن الانساني لكافة الافراد بصرف النظر عن اللون او الدين او العرق او الجنس ومن خلال آليات تلتزم الدول الاطراف باحترامها وتنفيذها. في الأردن الذي وقع وصادق على جميع الاتفاقيات والعهود وظل من بين اكثر دول العالم التزاما بالمبادئ والقوانين والحقوق والاقل مخالفة للقواعد والمعايير الدولية توجد خلافات حادة على امور تبدو بديهية فهل تعكس هذه الخلافات سوءا في الفهم ام انها انقلاب على سياسات ومواقف أردنية مستقرة وثابتة. من بين دول المنطقة يحظى الأردن بسجل حافل من الانجازات التي اكسبته احترام العالم ووضعته في مكانة متقدمة بين الدول الرائدة في التسامح والالتزام وحماية الكرامة الانسانية وحقوق الانسان، فإلى جانب الجوائز العالمية التي تسلمتها القيادة الأردنية هذا العام حصل الأردن على جائزة روزفلت كافضل دولة تلتزم بحقوق الاشخاص ذوي الاعاقة لعام 2005، واعتبر الأردن احد اهم دول العالم التي توفر الحماية لامن المستضعفين في مناطق الحروب والصراعات، حيث شكلت قوات حفظ السلام الأردنية ثاني اكبر قوة ترفد جهود الحماية الاممية، وأحد اكثر دول العالم مساهمة في تقديم الخدمات الطبية والاسعاف لضحايا الكوارث الطبيعية والحروب، وربما البلد الاكثر استعدادا لاستقبال وايواء اللاجئين والمهجرين عبر ما يزيد على سبعة عقود. وعلى صعيد التعامل مع الاعتصامات والاحتجاجات الشعبية والشبابية خلا السجل الأمني الأردني من اي اعتداءات او تجاوزات على سلامة وكرامة وحقوق المحتجين فقد قدم الأردن نموذجا جديدا للامن الناعم وحظي باحترام المتظاهرين واعجاب الاعلام العربي والعالمي. لا احد ينكر حق السلطة في ادارة الفضاء العام وفرض سيادة القانون، لكن المستغرب بحق الاسباب والدوافع التي قادت إلى اعتقال اشخاص يحاولون الوصول الى مركز وطني لحقوق الانسان، فالمركز مؤسسة تعنى بتوفير مرفق او عنوان للتظلم ورصد شكل واوجه المخالفات والتجاوزات التي قد تقع على حقوق الانسان والاتصال مع الجهات لرفع هذه التجاوزات والتعديات. لقد كان المركز منارة مهمة تعكس حرص الأردن على النهوض والتقدم في ملف حقوق الانسان والحيلولة دون ان يتغول احد او جهة على حقوق وحريات الافراد ولا يعني ذلك بأي شكل من الاشكال ان يؤوي المركز مرتكبي الجرائم او الخارجين على القوانين. من حق الافراد ان يستمتعوا بحقوقهم وكرامتهم، ولا يجوز ان يحرم الافراد من الوصول او الدخول الى منافذ التظلم وتقديم الشكاوى فوجود هذه المنافذ علامات حضارية لا تنتقص من هيبة واحترام وسيادة القانون بل تعززه وتحول دون اساءة استخدامه.
الغد
مدار الساعة ـ نشر في 2019/06/14 الساعة 01:34