الجامعة الهاشمية ومثلث الأصفار

مدار الساعة ـ نشر في 2017/03/15 الساعة 01:12
للجلوس إلى المسؤول طعم خاص ومتميز، عندما يكون هذا المسؤول مثقفاً، ويصبح الأمر أكثر تميزاً، عندما يمزج هذا المسؤول في ثقافته بين العلوم التطبيقية والعلوم الإنسانية، ذات الطبيعة الفكرية والأدبية، مثلما هو حال الأستاذ الدكتور كمال بني هاني رئيس الجامعة الهاشمية، النطاسي البارع والجراح المتميز،الذي جمع بين شغفه بالشعر والأدب،والتميزفي العلوم الطبيعية، وهذا التميز في شخصية الرجل انعكس في طريقة إدارته للجامعة الهاشمية التي استطاعت أن تبني مثلث الأصفار.

ففي الوقت الذي وصلت فيه مساعدات الحكومة للجامعة إلى درجة الصفر، وهو الصفر الذي شكل الضلع الأول في مثلث الأصفار الذي بنته الجامعة أما الضلع الثاني من أضلاع مثلث الأصفار هذا فهو صفر المديونية، فبخلاف كل الجامعات الرسمية الأردنية فإن الجامعة الهاشمية غير مديونة بفلس واحد،أما الضلع الثالث فهو صفر المساعدات، فالجامعة لم تتلق أية مساعدات من أية جهة، ومع ذلك استطاعت أن تحقق وفراً تمكنت بفضله من زيادة رواتب جميع العاملين فيها، من أكاديميين وإداريين بنسبة 70%، مما وفر نوعاً من الراحة النفسية لأفراد الكادر دفعتهم إلى المزيد من البذل والعطاء، عرفاناً بجميل إدارة الجامعة، وحرصها على توفير كل ما من شأنه أن يوفر لهم سبل الراحة، بما في ذلك إقامة حضانة مهنية تطبيقية متميزة لأبناء العاملين والعاملات،تجعلهم أكثر اطمئناناً على أسرهم، وأكثر ابداعاً.

كل هذا جعل الجامعة الهاشمية الأولى بين الجامعات الأردنية، من حيث البحث العلمي، وواحدة من أول عشر جامعات عربية في مجال البحوث العلمية مكن أساتذتها من حصد الكثير من الجوائز العلمية.

لقد حققت الجامعة الهاشمية كل هذه الإنجازات، في إطار من الحسم في مواجهة المحسوبية والواسطة والجهوية، فالجامعة لا تعين إلا وفق شروطها ومعاييرها العلمية والمهنية، دون الخضوع لأية تأثيرات،ولأن ذلك صار معياراً ثابتاً لدى الجامعة لذلك لم يعد أحد يغضب منها، ونالت رضى المجتمع المحلي الذي تخدمه، ليس من خلال التوظيف غير المبرر، ولكن من خلال تطوير هذا المجتمع، واستثمار موارده المحلية وتعظيمها، تماماً مثلما تحرص الجامعة على تطوير مواردها الذاتية، من ذلك نجاحها في بناء نظام للطاقة الشمسية تمكنت من خلاله من تخفيض فاتورة الكهرباء لديها من الآف الدنانير شهرياً إلى بضعة دنانير، وأقل من ذلك، مثلما نجحت في رفع دخل مطاعمها ومقاصفها وقريتها الطلابية أضعافا مضاعفة، عندما لم تجدد عقودا سابقة أبرمت بالواسطة والمحسوبية،رافق ذلك حرص على مال الجامعة إلى الدرجة التي جعلت رئيسها يرفض تجديد سيارته القديمة جداً ويتنازل عن مكافأته كطبيب جراح وقيمتها أربعة الآف دينار شهرياً، وعلى مدار رئاسته للجامعة التي دخلت سنتها الخامسة، مثلما ألغت الجامعة من ميزانيتها بند المآدب والحفلات، وكل هذه شواهد على حسن إدارة موارد الجامعة، تحاول الجامعة تطبيقه مع موارد مجتمعها المحلي، من خلال تركيزها على سبيل المثال لأعلى مشروع تطوير الأراضي الجافة في البادية التي ترى فيها الجامعة ثروة الأردن المستقبلية التي لا تنضب.

أما التميز الحقيقي للجامعة الهاشمية، فهو نجاحها في غرس روح المواطنة في إطارها القومي، بعيداً عن الخطابة والاستعراض، بل بالممارسة العملية الهادفة، من خلال وضعها للطلاب في أجواء ومناخات تربطهم ربطاً عملياً محسوساً بتاريخهم، من خلال الكثير من الشواهد التاريخية المثبوتة في جنبات الجامعة، مثل مسلة ميشع، الملك المؤابي العظيم، الذي هزم بني إسرائيل وبنى ملكا عظيماً، شكل صفحة مشرفة من صفحات التاريخ الأردني العريق الضارب في أعماق التاريخ، والذي يشهد أن شعباً عظيما عاش ومازال على هذه الأرض، ومثل ميشع ومسلته وحضورهما في الجامعة، كذلك حضر الحارث الرابع الملك النبطي العظيم وغيره كثير مما حملت مرافق الجامعة أسماءهم لتذكير أجيالنا الحاضرة بعظمة أجدادهم وإنجازات أولئك الأجداد، لعل ذلك يكون حافزاً لهم لاستئناف مسيرة وطننا الحضارية.

تحرص الجامعة الهاشمية على بناء الشخصية المتكاملة لطلبتها، من خلال جمعهم بين التحصيل الأكاديمي المتخصص، والقدرة على المشاركة الإيجابية في الحياة العامة، من خلال تدريبهم على الممارسات الديمقراطية، فالجامعة الهاشمية أول جهة في الأردن تعتمد مبدأ القوائم النسبية المفتوحة في انتخابات مجالس طلبتها، وقد استفادت الجهات المعنية بوضع قانون انتخابات مجلس النواب الأخير كثيراً من تجربة الجامعة الهاشمية، وإن كانت الجامعة حافظت على مبدأ العتبه في قوائمها النسبية وهي العتبه التي خلا منها قانون الانتخابات الأخير، مما شكل ثغرة من ثغراته.

غير القوائم النسبية والتدريب على ممارسة العملية الانتخابية فإن الجامعة الهاشمية حريصة على تدريب طلابها على مبدأ الحوار وفنه، من خلال نوادي الحوار التي أنشأتها لهذه الغاية وهذه واحدة تسجل لها، والتي من خلالها سعت الجامعة إلى تشجيع التفكير الإبداعي لدى طلابها، ولعل هذا سبب من أسباب تميز هؤلاء الطلاب وسرعة قبول سوق العمل لهم يضاف إلى ذلك أن هؤلاء الطلاب هم نتاج حرم جامعي حديث ومتطور، وقابل للتوسع، يعلم فيه كادر علمي متنوع الفلسفات، ويتنمي إلى مدارس علمية وفكرية مختلفة، وهو تنوع يساهم في إثراء شخصية طلاب الجامعة الهاشمية وتميزهم، الذي يشهد بتميز جامعتهم، وهو التميز الذي كان سببا لنيل الجامعة الهاشمية للعديد من الأوسمة والجوائز المحلية والعربية والدولية التي تستحقها.

الرأي
مدار الساعة ـ نشر في 2017/03/15 الساعة 01:12