نيران غير صديقة
مدار الساعة ـ نشر في 2019/06/09 الساعة 01:29
في العالم الغربي تشتمل التقارير السنوية للوضع الجُرمي على بنود تشير إلى نسب وأسباب وانتشار جرائم إضرام الحرائق Arson باعتبارها جرائم خطرة تعاقب عليها القوانين. في الأردن والكثير من البلدان العربية تعتبر مثل هذه الجرائم محدودة العدد ونادرة الوقوع، حيث تنامت ظاهرة استخدام النيران كأدوات جرمية في المشاجرات العائلية وأعمال الثأر التي يقوم بها البعض كانتقام من أسر وعائلات ينتمي لها الجناة. خلال السنوات القليلة الماضية أقدم العديد من الأشخاص على حرق بيوت وملكيات لعائلات أخرى أثناء وبعد ارتكاب أفراد منها لجرائم واعتداءات على أرواح وممتلكات وأعراض عشائر أخرى ومع ذلك بقيت هذه الجرائم في نطاق الحيز الخاص والملكيات الخاصة حتى حلول هذا العام.
لا أذكر أن مر على بلادنا عام تكاثرت فيه الحرائق مثل هذا العام. مع أننا في نهايات الربيع ولم ندخل رسميا الصيف إلا أن الحرائق تشتعل في كل مكان وتتصدر الأخبار وتقلق راحة الأهالي وتنهك قوة الأجهزة وتكشف عن ضعف البنى التحتية والاجراءات الوقائية للحد منها. في كل الأماكن يستغرب الناس كثافة حوادث الحريق ويتساءلون عن أسبابها.
في الغابات والحقول والمقابر والأحياء والمنازل تشبّ الحرائق فتلتهم مساحات شاسعة من الغطاء النباتي وتخترق قدسية المقابر مخلفة مشاعر الخسارة والحزن لدى أهالي وأقارب من دفنوا فيها وتثير عشرات الاسئلة حول أساليب إدارة الفضاء العام والعناية به. في قلب المدن الرئيسية والعاصمة يترك البعض قطع الاراضي التي تغطيها الأعشاب ويكسوها الهشيم جاهزة لتتحول الى بؤر من النيران التي تهدد سلامة الأهالي والملكيات العامة والخاصة المحيطة بها.
خلال أقل من شهر سجلت مختلف محافظات المملكة أرقاما قياسية في أعداد الحرائق والخسائر الناجمة عنها، ففي دير السعنة وغرب الزرقاء وثغرة عصفور أتت الحرائق على مئات الدونمات من الغطاء النباتي والأشجار والمحاصيل. وفي وادي شعيب أدى غياب الطرق الزراعية والممرات الى احتراق اكثر من 400 دونم نتيجة صعوبة الوصول وضعف خبرة المتطوعين لأعمال المكافحة.
الأسباب الحقيقية لتزايد الظاهرة واتساع رقعة المساحات المحترقة يقلق الأهالي والسلطات ويبعث على التندر حول ما تقوم به البلديات التي تستوفي الرسوم على كل شيء. العديد من الناس يتساءلون عن قواعد وأسس إدارة الفضاءات العامة والاجراءات الوقائية التي تتخذ للحيلولة دون وقوع الحرائق وتعاظم الأخطار.
الأردن الذي عانى ويعاني من شح المياه وقلة الغطاء النباتي أصبح يغرق أهله على شبر من الماء ويحولون الغطاء الأخضر إلى وقود لكوارث كان يمكن تجنبها. التلوث الذي تحدثه الحرائق والأخطار التي تتولد عن إضرام الحرائق يمكن تجنبها او السيطرة عليها لو قامت ادارات المدن بحراثة الأراضي الفارغة والتخلص من الاعشاب اليابسة والشجيرات التي تشكل مادة للاشتعال. الغابات والمناطق الخضراء تحتاج الى طرق تمكن الفرق والمتطوعين من الوصول اليها وتنفيذ خطط معدة لمقاومة النيران والسيطرة عليها.
من الصعب المرور على هذه الظاهرة باعتبارها قدرا لا يمكن تجنبه. المطلوب من الدولة بأجهزتها الوقوف على الأسباب التي أدت الى تنامي اعداد الحرائق واستهدافها لاكثر مناطقنا الطبيعية جمالا وتكليف المؤسسات بوضع خطط وقائية وتدابير تمكننا من فهم الظاهرة والسيطرة عليها.
على جميع المدن والمجالس المحلية أن تضع خططها المحلية للحفاظ على مواردها واستثمار طاقات الأهالي والأبناء في التصدي لكافة الاخطار بمساعدة الدفاع المدني وليس بالاعتماد الكامل عليه. في العالوك والمسرات وعجلون وبعض مناطق المملكة ظهرت مبادرات أهلية رائدة تحتاج إلى كل الدعم والتأييد والى مزيد من الإسناد والتوجيه. يمكن للبلديات والمجالس المحلية واسرة التربية والتعليم ان تلعب دورا مهما في الوقاية والمنع والمكافحة والاتصال المتعلق بالحرائق والسيطرة عليها، لكن ذلك لا ولن يتم بدون توفير المعلومات والتنسيق وتفعيل غرف العمليات في جميع مناطق المملكة وبلدياتها.
الغد
مدار الساعة ـ نشر في 2019/06/09 الساعة 01:29