«بعد العيد»

مدار الساعة ـ نشر في 2019/06/02 الساعة 03:53

بقلم: أ.د. عدنان المساعده*

معظمنا يؤجل إنجاز أعمال كثيرة ولسان حاله يقول "بعد العيد ... بعد العيد"... تراجع الموظف في مؤسسة ما أو دائرة ما من أجل إنهاء معاملة يقول يا أخي أنا صائم أجلها "بعد العيد"...تبحث عن عامل زراعة أو عامل بناء يتذمر ويقول أنا في رمضان لا أعمل أجل العمل "الى بعد العيد" ... تطلب من ابنك او ابنتك انجاز عمل لا يمكن تأجيله يقول لك "بعد العيد"، وأحيانا توجه اليك دعوة مسائية من احد اصدقائك لتتناول معه فنجانا من القهوة فتبادره بالقول "بعد العيد" وتتكرر هذه السلسلة "بعد العيد" بشكل انشطاري ومتسارع لتشمل كل مفاصل حياتنا وكأن هذه العبارة تدعو إلى وقف عقارب الساعة، وتكريس حالة الجمود، ومسلسل التسويف والتأجيل مستمر يعشش في ذاكرتنا.

أتساءل هنا هل ظاهرة التسويف وتأجيل إنجاز العمل والمهام على الصعيدين الشخصي والعام أصبحت راسخة في عقلنا الباطن والظاهر على حد سواء؟ ليست هذه الدروس المستفادة من شهر رمضان الذي يفترض ان يكون كغيره من الشهور شهر عمل وإنجاز، لأن العمل عبادة والتسويف والتقاعس عن الإنجاز ليست من القيم السامية المستوحاة من شهر رمضان المبارك التي تحث على الإخلاص في القول والعمل... إن قيم شهر رمضان لا تتمثل في تحويل هذا الشهر الفضيل الى شهر اكل وشرب ونوم وتثاؤب وكسل.

قيم هذا الشهر تدعو إلى الطمأنينة والصبر والتحمل والتراحم والشعور مع الفقير وزرع الخير في كل مكان....وليس من القيم أن نتصرف بنزق وتهّور...حوادث السير تزداد بحجة الصيام وجرائم القتل تزداد بحجة ارتفاع هرمون الادرينالين، علما أن ذلك لا يتفق مع تعاليم ديننا السمحة دين الرحمة والمودة .... هل هو الفهم الخاطىء لمعاني الصيام التي يفهمها البعض أنها جوع وعطش وعصبية وتهّور...لو درسنا بعمق فضائل هذا الشهر لانعكست على تصرفاتنا وسلوكياتنا بطريقة تمثل صورة الإنسان المتطّور بعقله وسلوكه... فلا تسويف أو تأجيل معاملات الناس من قبل الموظف "الى بعد العيد"، لأن ذلك يتنافى مع قيم شهر رمضان، ولا يتجاوز السائق إشارة مرور حمراء وهو يقود مركبته بسرعة جنونية قد تكون سببا في حادث سير مأساوي يذهب بسببه ابرياء، ولا يتكلم الانسان كلاما نابيا يجرح فيه حرمة شوارعنا وطرقاتنا، ولا يلقي الأوراق والنفايات في كل مكان، حيث أن من قيم شهر رمضان والخلق السوي إماطة الأذى عن الطريق ليبقى نظيفا، ولا يغش في سلعة يبيعها، ولا يستغل حاجة الناس، ولا يشتم هذا ويغتال شخصية ذاك دون وجه حق، ولا يتصرف بغوغائية وهوجاء وعصبية تترك آثارا سلبية تؤثر على السلم المجتمعي.

ليس من المنطق والحكمة والإنصاف أن نحمّل هذا الشهر الكريم بأنه السبب وراء كسلنا وتقصيرنا ونزقنا، وليس من العدل أيضا أن نلقي بأخطائنا على الغير، ونردد "الى بعد العيد" تصبح الأمور أفضل....إن حكمة صيام شهر رمضان تتلخص في ان هذا الشهر هو دورة تدريبية لنا كل سنة على الصبر والتحمل وسلامة القلب وحسن الظن والإخلاص بالعمل أيضا، لتنعكس على حياتنا بقية أيام وشهور السنة ولتقويم السلوك قولا وتطبيقا، ولتقييم ومراجعة أنفسنا... هذه هي الدروس المستفادة من هذا الشهر الفضيل، فإذا لم نكن قادرين على تطبيقها في رمضان فهل ستكون حالنا أفضل بعد رمضان؟...وللخروج من هذا المأزق أقترح على معالي استاذنا الدكتور خالد الكركي رئيس مجمع اللغة العربية حذف كلمة "سوف" من قاموس حياتنا وربمّا تكون هي السبب لنتخلص من التسويف والتأجيل الذي أصبح آفة تعيق العمل والإنجاز او ربما يكون الحق على الطليان المساكين الذين لا ناقة لهم ولا جمل وها هو العيد على الأبواب ولنرى ماذا نحن فاعلون بعد العيد ?! وكل عام وانتم بخير.

*استاذ جامعي/ جامعة العلوم والتكنولوجيا الاردنية
عميد كلبة الصيدلة في جامعتي اليرموك والعلوم والتكنولوجيا الاردنية سابقا
رئيس جمعية أعضاء هيئة التدريس سابقا

مدار الساعة ـ نشر في 2019/06/02 الساعة 03:53