ركود غير مسبوق في الاسواق الأردنية قبل العيد.. والأردنيون يحددون أولوياتهم

مدار الساعة ـ نشر في 2019/05/31 الساعة 11:41

مدار الساعة -  لم تنعكس الاجراءات الحكومية المتخذة قبيل بدء الشهر الفضيل من تأجيل أقساط البنوك المستحقة على المواطنين، وصرف دعم الخبز، وصرف الرواتب بوقت مبكر، على الحركة الشرائية في الاسواق وخاصة قبيل عيد الفطر السعيد وفق خبراء.

فدأب المواطن الأردني السعي لامتلاك قوت يومه ومسكنه بالدرجة الاولى، ومن ثم التوجه لباقي الاحتياجات والكماليات كمظاهر الاحتفال بالعيد وما يتطلبه من تجهيزات مسبقة ، ما يعني أن ضعف القدرة الشرائية للمواطن يأتي بالتبعية، ولا متنفس له من شهر إلى آخر.

أكثر من مليون وربع مواطن يعانون فقرا مدقعا، ناهيك عن ما يربو على مليونين آخرين يعانون فقرا عاديا، عدا عن ذوي الدخل المحدود، الذين يعجزون عن توفير احتياجاتهم العادية، حسب الخبير الاقتصادي مازن مرجي.

ملامح استقبال العيد لم ترسم البسمة العريضة على محيا العديد من الأطفال وذويهم بملابس جديدة، كما اعتادوا خلال الاعياد السابقة ، وتحول العديد من ذوي الدخل المحدود والمتدني الى اسواق الملابس المستعملة ( البالة) التي تشهد تنافساً متفاوتاً في الأسعار والموديلات المتعددة، يصاحبها حركة نشطة نسبياً في الأسواق خلال الأيام القليلة التي تسبق يوم العيد.

وفي الوقت الذي تتعدد به أصناف الملابس تبعاً للسعر والجودة، اغلقت العديد من محال بيع الملابس الجاهزة ابوابها منذ بداية العام الحالي نظرا للركود الذي عانته . الا ان أسواق الألبسة المستعملة (البالة) والتصفية العالمية لا زالت تحتفظ بروادها، اذ يتوجه العديد من المواطنين إليها للظفر بالماركة العالمية المطلوبة، أو الحصول على ملابس ذات طبيعة عملية أكثر من الألبسة الجاهزة، فيما يبقى السعر المتدني هو المحفز الأكبر للتوجه لهذه الأسواق.

ويفضل "أبو خليل" الشراء من محال "البالة" لأسباب تتعلق بالجودة والسعر المناسب، حيث يؤكد ديمومة هذه الملابس مقارنة مع الجديدة، وبالرغم من تقارب الأسعار بين البالة والجديد في بعض الأحيان، إلا أن الجودة هي المحفز الأكبر لتوجهه لشراء ملابسه من هذه المحال.

وتوافقه على ذلك "أم أسامة"، التي تلبي محال "البالة" احتياجاتها من الملابس، مبينة أن أحد أهم أسباب توجهها لهذه المحلات انخفاض جودة الملابس الجديدة ولا سيما ملابس الأطفال، ما دفعها للبحث في "البالة" عن ضالتها، داعية في الوقت ذاته إلى دعم الجهات المعنية لهذا النوع من الملابس لاعتماد شريحة كبيرة من المواطنين عليها.

بينما يفضل خالد عبدالله الشراء من محال الألبسة الجاهزة لعدم تلبية محال "البالة" احتياجات عائلته، ناهيك عن ما تستغرقه رحلة الشراء من البالة من وقت في البحث عن قطعة مناسبة، وحاجة العديد من القطع للإصلاح والتنظيف، لخروجها بالشكل المطلوب،فيتجه مباشرة للألبسة الجديدة متعددة الموديلات وأسعارها تتقارب مع المستعملة.

العديد من تجار الألبسة (المستعملة والجاهزة)،اشاروا إلى حالات الركود غير المسبوقة التي يشهدها سوق الألبسة في الأشهر الماضية، ما ألحق خسائر متفاوتة للعديد من التجار ولا سيما العاملين في قطاعات الألبسة الجاهزة منهم.

ويبين "عز خالد" أحد تجار الملابس الجاهزة في محافظة إربد، أن سوق الألبسة الجاهزة يعاني من حالة ركود غير مسبوقة، بالرغم من حلول موسم عيد الفطر السعيد الذي كان يعول عليه كثيراً، اذ أسهمت الظروف المعيشية الصعبة في عزوف العديد من المواطنين عن شراء الألبسة.

وقال إن العديد من محال الألبسة أغلقت أبوابها منذ بداية العام الحالي لضعف الإقبال عليها، إلى جانب محلات أخرى قد تلقى نفس المصير في حال استمرت الظروف على ما هي عليه.

ويرى "أبو عمر " أحد تجار الألبسة المستعملة "البالة" ان انتشار محال البالة والتصفية العالمية في مختلف المواقع والأسواق، يثبت حجم رواج هذه التجارة وحجم الإقبال عليها، نظراً لارتفاع أسعار الألبسة الجديدة من جهة، وتلاشي الطبقة الوسطى في المجتمع من جهة أخرى.

استاذ علم الشريعة الإسلامية الدكتور خالد البزايعة قال إن شراء الملابس الجديدة والتزين في الأعياد ينسب في التاريخ للأمم قبل الإسلام، وجاء الإسلام وأقر واقعا معروفا قبله، ولم يجد مانعا في قبول هذه المظاهر الجميلة التي تبين الفرح والسرور بالمناسبات، مشيرا إلى ان الحكمة منها إظهار الزينة و النظافة و جمال الهندام في الأعياد والصلوات والاجتماعات و الزيارات.

وأوضح أن هذه سنة عن رسول الله، ففي حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال:" أخذ عمر جبة من استبرق تباع في السوق فأخذها فأتى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله ابتع هذه تجمل بها للعيد والوفود، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنما هذه لباس من لا خلاق له)، فلم ينكرها عليه السلام للتجمل بها للعيد انما أخبره بأنه حرام لباس الحرير، وكان له حلة يلبسها في العيدين والجمعة.

وأكد أن الإنفاق لشراء ملابس العيد تحكمه الضوابط العامة لنفقة المسلم، فلا ينبغي أن يكون هناك إسراف وتبذير في شراء الملابس، و كذلك ينبغي مراعاة ظروف الغير من فقراء وأيتام و محدودي الدخل، لذا ترى هذا الأمر يتجسد في قوله صلى الله عليه وسلم: " اغنوهم عن المسألة في هذا اليوم ".

الخبير الاقتصادي مازن مرجي قال ان واقع القوة الشرائية لملابس العيد لهذا العام يعتبر ضعيفا جدا، على الرغم من تسليم الرواتب بوقت مبكر، لأن المواطن الأردني قدم تأمين الاحتياجات الأساسية من الطعام والشراب في شهر الصيام، على الملابس وغيرها من المظاهر.

وأشار إلى أن هذا دأب المواطن الأردني منذ القدم، فهو يسعى لامتلاك قوت يومه ومسكنه بالدرجة الاولى، ومن ثم التوجه لباقي الاحتياجات من ملابس ومظاهر الاحتفال، ما يعني أن ضعف القدرة الشرائية للمواطن الأردني يأتي بالتبعية، ولا متنفس له من شهر إلى آخر.

وقال انه على الرغم من الإجراءات الحكومية من أجل توفير سيولة مادية بين الناس، من خلال تأجيل الأقساط المستحقة عليهم وصرف دعم الخبز، إلا أن ذلك لم يسهم في تحريك القطاع التجاري للملابس.

فكان الهدف من هذه الإجراءات التخفيف عن المواطنين ماديا خلال شهر رمضان، لكنها لم تأت أكلها كما يجب لأن المواطنين يعانون من التزامات مالية متراكمة عليهم بالأصل، فكانت مجالا لسد النقص الموجود وليس للراحة أو الترفيه.

وأوضح ان هذا الحال يلامس أغلبية الشعب الأردني، مؤكدا ان لباس العيد يعتبر آخر اهتمامات المواطن الأردني بشكل عام والفقراء بشكل خاص، فهناك أكثر من مليون وربع مواطن يعانون من الفقر المدقع، واكثر من 2 مليون مواطن يعانون من الفقر العادي، ثم تأتي شريحة ذوي الدخل المحدود الذين لا يستطيعون تأمين كل احتياجاتهم.

وعزا مرجي ذلك إلى تراجع القيمة المطلقة للدخل نتيجة عدم وجود زيادات عليه تواجه تضخم الفجوة ما بين دخل الأسرة واحتياجاتها فعليا، والتي تتراوح ما بين 25 بالمائة إلى 35 بالمائة ، فالركود الاقتصادي يحاصر القطاع التجاري منذ عقود طويلة ولا مجال لتحريك عجلة الاقتصاد إلا بزيادة دخل الأسرة، لا برفع الضرائب على السلع .

استشاري الامراض النفسية والحالات الادمانية الدكتور عبدالله أبو عدس قال إنه ونظرا لضعف القوة الشرائية فقد لجأت بعض المحال التجارية لاستخدام أساليب سيكولوجية لمداعبة عواطف الجماهير ودفعهم للشراء باستخدام العروض والتنزيلات على العديد من السلع، ما يؤثر في الرأي العام، وعلى سلوك الناس في الشراء، وهذا ما حدث بشكل واضح في رمضان، فقام البعض بإنفاق المال الكثير.

وأضاف أن هذا الانفاق جاء نتيجة السيولة المالية المتوفرة لدى بعض المواطنين المستفيدين من تأجيل البنوك لأقساط قروضهم، ما ادى الى وضعهم في مأزق مالي مع نهاية الشهر الفضيل، فكان عليهم اتباع مبدأ إدارة المال ، والتخطيط السليم في رصد ميزانية محددة للإنفاق، وحصره بالاحتياجات الضرورية، فكل موسم له متطلبات أخرى عن غيرها من المواسم.

وأشار إلى ان تحضيرات العيد تستدعي شراء الملابس وضيافة العيد والهدايا، بحيث يتم تخصيص مبلغ مالي مسبق، يكون متلائما مع الميزانية العامة للمنزل، بحيث لا نتفاجأ بعد هذا الموسم، بضائقة اقتصادية، من الصعب الخروج منها.

نقيب تجار الألبسة والأحذية والأقمشة منير دية،أشار إلى انخفاض حجم مستوردات المملكة منذ بداية العام نحو 20 بالمائة مقابل الفترة نفسها من العام الماضي 2018، مبيناً ان مستوردات المملكة من الالبسة والاحذية بلغت منذ بداية العام الحالي نحو 85 مليون دينار ، إذ شهد القطاع منذ بداية العام الحالي ، حالة ركود غير مسبوقة، ما أدى إلى تراجع المستوردات وما لحق بذلك من خسائر للتجار.

وفي الوقت الذي يشهد قطاع الألبسة والأحذية ركوداً بحسب خبراء، فإن هنالك تحديات يواجهها القطاع كالتجارة الالكترونية وارتفاع كلف التشغيل والتوسع غير المبرر بالمراكز التجارية ( المولات ) وضعف القدرة الشرائية للمواطنين.

بترا

مدار الساعة ـ نشر في 2019/05/31 الساعة 11:41