هذه السنديانة التي تطاول شجرة الأرز
بقلم : عبدالحافظ الهروط
تذهب الى بيروت، التي لم تهزها العواصف، وهي التي تحّفها العواطف الى درجة الغيرة، فتشعر كأنك لم تزرها من قبل.
هناك، تأخذك قدماك الى الجامعة الاميركية للعلوم والتكنولوجيا، فتراها تحوّطها المباني كما يطوّق السوار المعصم.
اشخاص يستقبلونك بكل مودّة، فينتابك إحساس بإنك تعرفهم منذ عقود .. تسمع عبارات الترحيب، فتطرب للهجتهم الرقراقة.. تحاول مجاراتهم باللهجة الاردنية، فيّعم الضحك.
كوادر تدريسية وادارية وطلبة ممتشوقون .. كلهم ينظرون الى يوم جميل ومستقبل مشرق.
تتعرّف الى سيدة طاعنة في الحكمة والخبرة في الحياة، تطفح على محياها ابتسامة عريضة حتى يخيّل للمرء انها أُم تريد احتضان طفلها، غابت عنه بعض الوقت.. انها الدكتورة هيام صقر رئيسة الجامعة.
وليس من قبيل الحنين و"الدم" الذي يتحرك في القلوب ويسري في العروق، هذا الشعور النبيل الذي تحتضن به "صقر"، الضيوف، أو بحكم انها تستند الى جذورها الاردنية، وإنما لأنها انسانة تؤمن بأن هكذا يكون الانسان، مجبولاً على المحبة ونقاء السريرة.
تجربتها الضاربة في اعماق اليونيسكو ومركز اللغات، والصاعدة بفكرها النيّر الى التعليم الجامعي الحديث، وكيف يكون هذا التعليم نافعاً وممتعاً، جعلتها تنظر الى العلم بأنه ليس تجارة!
تقول الدكتورة هيام صقر " الحياة يعني أنك كيف تتكيّف معها" و"العلم يعني انك لا تقف عند محطة او عمر، فهو مفتوح لجميع الفئات"، اما هي فقد عبرت الى النصف الثاني من العقد الثامن من عمرها، وما تزال الذاكرة حيّة متجددة، و"روح وعنفوان" لبنان يضجان من وجهها الصبوح .. اللهم لا حسد.
واذا كانت فيروز ووديع الصافي ونصري شمس الدين وصباح، قيثارة الفن اللبناني الأصيل وعوده ونايه، ومن سار على دربهم، فإن هذه "الصقر" انشودة التعليم في هذا الوطن الذي قوته و" قوّته في ضعفه "، كما قالوا الساسة عنه، ذلك ان لبنان، ربما البلد الوحيد الذي يجمع الموت والحياة معاً، وهو يبتسم.
لا تؤمن رئيسة الجامعة الأميركية للعلوم والتكنولوجيا بالفشل لأي انسان كان، وهذه حقيقة تؤكدها على ارض الواقع، اذ تخبرنا ان الجامعة تستقطب الطلبة الذين لم يحالفهم الحظ في الثانوية العامة، فتعيد الجامعة تأهيلهم من جديد ليواصلوا مسيرتهم، ولأنها لا تحب انكسار الشباب وأن يقال عنهم "فاشلون"، لذلك "ننقلهم من الجو المدرسي الى الجو الجامعي".
ظننت والزملاء والزميلات فضل معارك والدكتورة نسرين الحمداني وغادة شقديح من الاذاعة الاردنية، ومحمد الفاعوري وحماد عبد ربه وفادي الرمحي من قناة رؤيا وعرار الشلول من وكالة بترا، ظننا ان هذه القامة التعليمية ومعها الوجه المضيء للعلاقات العامة والجامعة ، ماجدة داغر وزياد دويري، انما تجاملنا في اغنية اردنية بمناسبة عيد الاستقلال صدح به فنان لبناني خلال حفل العشاء الذي اقامته لنا هذه السيدة الأولى في هذا الصرح التعليمي، مع انها غمرتنا بكرمها الحاتمي "في حلّنا وترحالنا" في بلدها العظيم وشعبه الكريم، الا انها كانت تعبّرعن حبّها للأردن، وقد خاطبتنا بعبارة " ليت لم تكن هناك حدود بين لبنان والاردن".
دين سيبقى في اعناقنا، ولعلنا نلتقي في الاردن بكل من احتفى بنا في لبنان الجميل، لنرد بعض جمائلهم، وعلى رأسهم هذه السنديانة التي تطاول " شجرالأرز".كرماً وفكراً.ومحبة.
شكراً دكتورة هيام.