الوحي الإلهي والفكر الإنساني

مدار الساعة ـ نشر في 2019/05/29 الساعة 02:23
عندما نتحدث عن الدين وأحكامه، فنحن نقف بين الوحي الإلهي والفكر الإنساني، أما الوحي الإلهي فيتمثل بالنصوص الشرعية من القرآن الكريم والسنة المطهرة، وأما الفكر الإنساني فيتجلى بفهم تلك النصوص، وتعليلها، والنظر في مقاصدها، والاستنباط منها، والقياس عليها.
وقد أبدع علماؤنا في التعامل مع النصوص الشرعية حتى تركوا لنا ثروة علمية نستفيد منها، ونباهي بها، ففي التفسير وشرح الحديث والفقه موسوعات تشي بعظمة علماء المسلمين، وما قدموه من خدمة لهذا الدين الحنيف.
لكن ينبغي أن ندرك أنّ النص الشرعي عميق جدا، رغم ما يظهر من سهولته ويسره، فهو يحمل القواعد العامة، والمقاصد الهامة، والكليات الكبرى، التي ينبغي على الفقيه أن ينسج على منوالها. والخطأ أن نترك النص الشرعي الأصلي لنتشبث فقط بفهم الفقيه أو المفسر له، ونقوم بعملية تعطيل للعقل والفكر، مع أننا في زماننا نملك من المعطيات والأدوات الشيء الكثير للفهم والاجتهاد، مما يعزز قولنا: إن الشريعة صالحة لكل زمان ومكان.
وأضرب مثالا على ما سبق، ذكر القرآن أن عدة المرأة الحامل تنتهي بوضع حملها، فإن أجهضت في أسابيعها الأولى قبل أن يظهر تخلق ما في بطنها، قال الإمام الشافعي في (الأم): (وأقل ما تخلو به المعتدة من الطلاق والوفاة من وضع الحمل أن تضع سقطا قد بان له من خلق بني آدم شيء عين أو ظفر أو أصبع أو رأس أو يد أو رجل أو بدن أو ما إذا رئي علم من رآه أنه لا يكون إلا خلق آدمي لا يكون دما في بطن ولا حشوة ولا شيئا لا يبين خلقه. فإذا وضعت ما هو هكذا حلت به من عدة الطلاق والوفاة). فإذا استطعنا أن نميّز الحمل من أول يوم عن طريق الفحص المخبري الدقيق، ألا نستطيع أن نستغني عن تلك العلامات التي ذكرها الإمام الشافعي؛ لأن غايته التحقق من صحة الحمل، وما ذكر قبل أكثر من ألف سنة كانت وسيلة التعرف على الحمل، أما الآن فالوضع مختلف، فهل أترك الوسائل الحديثة لأظلّ أتغنى بأنني أتمسك بقول الفقهاء معتزا بهم؟ نحتاج إلى تدقيق ومراجعة.
الدستور
مدار الساعة ـ نشر في 2019/05/29 الساعة 02:23