الساحر والسياسي!

مدار الساعة ـ نشر في 2019/05/26 الساعة 02:44
السياسي و»المنجم والساحر «، لربما أن العلاقة لا تركب على مسامع كثيرين. ولكن المتورطين في تثبيتها وتجسيرها كثر. هواجس التبديل والتغيير، والخوف من انقلابات الكراسي. فالسياسي أكثر ما ينقاد الى اللامعقول.
واعرف سياسين يبلعون « ريقهم مرارة» كلما سمعوا خبرا عن تعديل وزاري وقرب رحيل مجلس النواب، واعادة تشكيل لمجلس الاعيان وتعيينات في مراكز عليا في الدولة، ويتحسسون جوانبهم بحثا عن «ركايات ودعامات» ليمروا بسلام من معابر وقنوات التغيير، والتي يبدو أنها لا تصيب كثيرين من الملتصقين بالكراسي، ومهما اعتلت قوة الصدمة وردة فعلها.
الكهنة والسحرة والمنجمين شفعاء بعض سياسيي «الاردن الجديد «. وهم « قوة خفية « لربما لا يظهرون في الاعلام والمناسبات العامة، الا أن الحاجة اليهم غير منقطعة. فيحتاجون اليهم أكثر من أي قانون ناظم للحياة السياسية وتقارير واستطلاعات مراكز الدراسات الاستراتجية والبحوث السياسية، وقيم ومعايير النزاهة والشفافية والحاكمية الرشيدة، ويتسمكون بهم كخشبة للنجاة والخلاص.
ومن العرافين والمنجمين عرب وأجانب يأتون الى الاردن في زيارة خاصة وخاطفة، يقضون اياما معدودة وتحت مراقبة وحراسة شديدة. فهو يحمل في جعبة اسراره خبر الشؤم، ويحمل خبر اليقين. يعرف كل الاسرار البائسة والحزينة والغريبة والمخيفة. وعن ظهر فنجان قهوة يقرأ مصير سياسي، ومستقبله، ويقرأ تحالفات، ومصائر شخوص كثر. تمتد احيانا طاقة كشف طالع المستقبل للحديث عن الموت الذي ينتظرهم، واي جحيم سيؤولون اليه.
السحر والتنجيم من القدم، وفي عهد الحضرات القديمة، وتحدثت عنه الكتب السماوية والاساطير وحتى العلم اعترف بحقيقته، ومن ايام الفراعنة، فالعرافة دلف تنبأت للايوس ملك الطبية بانه سينجب طفلا وسيقتله، وثم سيتزوج امه جوكاست. وهي من فصول ترجيديا اوديب. فالسحرة على تواصل مع النجوم والكواكب والعالم العلوي يملكون اسرارا للكون، وعظماء الزمن، وأهل السياسة، وصانعو الاحداث الكبرى.
و لكن علاقة السحرة مع بعض سياسي الاردن قائمة على امحاء قوانين التغيير والاستبدال، وثمة لغز بلا شك يختفي في كل التفاصيل دون استثناء، فالحدود بين الخيال والحقيقة تجف لصالح الواقع القائم الذي يحافظ على استمراره كما هو دون أي تبديل أو تغيير، فسبحان الله !
لا يعترف سياسي بانه يزور ساحرا، ومنجما. ومن يطمئنه الساحر يتنفس الصعداء، ومن يحذره يرتعد خوفا، ويبحث عن مصيره في مربعات أخرى قريبة من السلطة. هو استنطاق للامعقول يركب ويوجه السياسة في بلادنا. والتاريخ يكتبه عراف-ة، ويكتب على لوحة ظهر فنجاة قهوة، وحبات رمل مبعثرة، روائح بخور هندي ومغربي ويمني وافغانستاني.
في بلادنا اخبار السحرة والعرافين محصورة وقليلة. ولربما لا يظهرون على السطح، وينتمون الى العالم السفلي « الخفي «، الوجه المقابل والموازي لمجتمع لا يعترف بكل شيء، مجتمع الخفاء، ومجتمع مفصوم.
فما أحوج الأردنيين الى ساحر وعراف تائب وينبذ المهنة ويريد الخروج من اقفاصها، ويطل على الجمهور ليتحدث ببوح عن اسرار المهنة، وما يحضر في ذاكرته من قصص واحاديث وحكايا عن بعض سياسيي الاردن، لربما ستكون فرصة فاضحة للمكاشفة والمصارحة. فما لا يصلحه المعقول فاتركوه الى اللامعقول! الدستور
مدار الساعة ـ نشر في 2019/05/26 الساعة 02:44