كيف نجونا؟
العقود السبعة التي مرت على الاستقلال، سطر فيها الوطن بقيادته وعزم شعبه أفضل صور البناء، التي لم تكن لولا صبر الأردنيين، ورؤية قيادتهم الهاشمية لبناء وطن مستقل، ينعم به الشعب بالحرية والاعتدال والانفتاح على العالم.
كان الاردن حين استقل في 25 أيار 1946 يتلو أشقاءه العرب، في مسيرة الاستقلال العربي، إذا سبقنا العراق ومصر وسوريا، ولكننا بعد العقود السبعة التي مرت علينا، ونحن بلد امكنياته قليله وتحدياته كبيرة، نعيش اليوم في ظروف معرفية وصحية وخدمية افضل من غيرنا بكثير، ممن يفوقوننا موارد، وامكانيات وجغرافيا.
كيف استطاع الأردن النجاح، والنجاة من صراعات المنطقة وانقلابات التقدمية العربية والوعود التحررية؟ كيف نفذت البلد من مؤامرات الجيران والاشقاء؟ في زمن كانت فيه عواصم القرار العربي تريد من الأردن أن يكون تابعاً لها؟
الجواب ببساطة، انها الطبيعة الأردنية العروبية للشعب، والحكمة الصائبة للقيادة الهاشمية، التي لم تفصل نفسها عن الشعب، فلم تشكل المحاكم الدموية لخصومها، ولم تغلق البلد، امام العالم، وكانت التحديات دوما تجعل الشعب بعشائره وأبنائه يلتف حول قيادته.
كان وعد الحسين الباني لشعبه هو أن «الإنسان أغلى من نملك»، وكانت وعود الآخرن مكافحة الامبريالية، وطردها من المنطقة، في الوقت الذي كانت فيه تلك الأنظمة تعمل مع الغرب من تحت الطاولة، كان الأردن لا يخفي شيئا ويتصل بالغرب علناً ويدير علاقاته بحسب ظروفه.
بنى الأردن حتى اليوم بلداً شبه اسطوري، لدينا اليوم اكثر من 600 آلاف مدرسة، ونحو 30 جامعة و30 كلية مجتمع او كلية جامعية، وعشرات المستشفيات، والمراكز العلمية المتخصصة التي نباهي بها العالم، وعلى رأسها مركز الحسين للسرطان الذي هو مفخرة للبلد وللعرب.
بنينا أيضا شبكة خدمات وطرق وسدود ومعارف عامة، ومع ذلك شاركنا في حروب العرب، وخسرنا من دون العرب ومعهم، واتهمنا بالعمالة والخيانة، لكن كل ذلك ثبت أنه كذبة الآخرين عنّا.
ربحنا في 1948 قصة صمود اسطوري لأنتا قاتلنا وحدنا، وهذا ما أثبتته الكرامة، شاركنا في حرب تشرين، وابلينا بلاء حسناً، فاق فيه جيشنا التوقعات، ربحنا في 1990 حين وقفنا ضد مجيء الامريكان للمنطقة ورفضنا احتلال الكويت، فعانقت عروبتنا قوميتنا وانسانيتنا، لكننا لاحقاً عوقبنا. وتجاوزنا التحدي.
دخلنا الألفية الجديدة بقيادة جديدة، وقُدر لنا أن نخوض حرب الإرهاب والتطرف، فأنجت القيادة الحكيمة البلد في طوفان ما بعد 11 سبتمبر، ثم جاءت أزمة ما بعد العراق 2004، لندخل في زمن عربي كان مقسوماً بين اعتدال وممانعة، فحرصنا على أن نكون للجميع، ليأتي الربيع العربي في 2010 رامياً بثقله على الحكام العرب، ويبدأ الملك عبدالله الثاني حزمة مراجعات وتطوير للحكم والنظام والمؤسسات ومحاسبة الفاسدين، وتطوير العمل من أجل تعليم أفضل وصحة وريادة وبناء مشاريع سكنية كبرى.
تم بناء وزارات جديدة، بعد ما كانت في عمارات مسـتأجرة، وفتحت تجارة البلد على الغرب فوقعنا اتفاقيات كبرى، دخل الأردنيون زمنا جديدا في قطاع الاعمال والماركات وتطور عمل مؤسسات المجتمع المدني، ونمت حركة المساهمة للقطاع الخاص في التعليم، فكان له دور كبير في رفد الوطن بكوادر بشرية متعددة التخصصات.
حافظنا على بلدنا بأقل الكُلف والكَلف السياسي، لم نخسر قيمة بلدنا بين العالم والإقليم، بل زادت قيمتنا ودورنا، وظل الأردني في عنفوانه وكرامته وشيمه الأصيلة، صحيح مسّنا الفقر وبعض الأمراض الاجتماعية، لكننا نجونا في ظل ازمنة أكثر صعوبة على ما نحن فيه اليوم.
فبورك الأردن قيادة وشعباً، وبورك الاستقلال تضحيات وانجازات.
الدستور