من الحِلاقة إلى الإفتاء

مدار الساعة ـ نشر في 2019/05/20 الساعة 01:16
كان (الحَلاّق) قديما يقوم بأكثر من وظيفة، فمع القص والتقصير، يصبغ الشعر ليرجع الشباب للزبائن، وهو في نفس الوقت يعدّ التراكيب الخارقة والشافية والمعالجة، وهو من يقوم بعمل الحجامة وكاسات الهوا، ويطبب الأسنان، ويطهر الصبيان، حتى صار من الأمثال الشائعة: كنا بالحلاقة وصرنا بقلع الأضراس، مثال على الانتقال من موضوع لموضوع.
ومن غريب ما سمعت من صديقي أنّ امرأة تعمل في صالون للحلاقة النسائية قد نصّبت نفسها مفتية في الأمور الشرعية، وهي لا تكتفي بنشر فتاواها مشافهة أثناء حلق الرؤوس وتقصيرها وصبغها، وإزالة الشعر عن اليدين والساقين، وتركيبه على الحواجب والرموش، بل تنشر فتاواها العجيبة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، فهي تنتقل من الحلاقة إلى الإفتاء.
أفهم أن تكون هذه السيدة مفتية في شؤون الشعر والتجميل فهذا صلب مهنتها، وقد تكون خبيرة في ذلك، لكن أن تنصّب نفسها للأحكام الشرعية، وكل مؤهلاتها أنها تعمل في صالون للحلاقة، وأنّ زائرات الصالون مضطرات لسماعها، إما بدافع الفضول أو تضييع الوقت أو الفكاهة والضحك فهذا لم أفهمه.
من فتاوى السيدة الحلاقة أن الصوم ورد في القرآن على سبيل الاختيار لا الإجبار، يعني ليس فرضا، فمن شاء فليصم ومن لا فلا، ولا أدري ماذا نفعل بقول الله تعالى: (كُتِبَ عليكمُ الصيامُ) وكيف سيكون صوم رمضان ركنا من أركان الإسلام إن كان اختياريا، فهذه (الفتوى) مخالفة لصريح كتاب الله تعالى، ولإجماع المسلمين.
ثم تردف بفتوى أكثر غرابة حيث أجازت للحائض أن تصوم، وادعت أن الطهارة مطلوبة للصلاة فقط دون الصيام، ومعلوم أن هذه (الفتوى) مخالفة لصريح السنة ولإجماع المسلمين أيضا. ففي صحيح البخاري من حديث أبي سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم، فذلك نقصان دينها». وفي صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت:» لقد كنا نحيض عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة». وهذا لفظ أبي داود.
ختاما أنصح نفسي والسيدة الحلاّقة بتقوى الله تعالى، والبعد عن إضلال الناس والاستخفاف بالشريعة، وأذكر نفسي وإياها بأن الدنيا فانيةٌ زائلة، والعُمرَ قصير، والحسابَ عسير، والناقد بصير. الدستور
مدار الساعة ـ نشر في 2019/05/20 الساعة 01:16