لا عزاء للفقراء في رمضان!
في وقت الافطار سألت سائق تكسي عن موائد الرحمن، أين تقام ومن يرتادها؟ صمت قليلا، تبسم من السؤال، وقال لم يعد هناك كثير من «موائد الرحمن». وقلت له موائد الشركات و الجمعيات و المؤسسات الخيرية الكبرى التي تعودنا على مشاهدتنا كل رمضان. فأجاب : لا أثر لكثير منها في رمضان هذا العام.
ساد الصمت قليلا، و انتقل في تحريك مؤشر الراديو ليستمع لاخبار بي بي سي تتحدث عن التهديدات العسكرية الامريكية لايران وتصرحيات «ترامب الدنكشوتية» ، و تنفس طويلا، وقال : إن امريكا لن تضرب طهران. لم اناقشه، و لكنه زاد بالقول ان العرب سيكونون خاسرين مرة أخرى في حروب امريكا في الشرق الاوسط و الخليج العربي، و سندفع الثمن هذه المرة قاسيا، ولربما أن دولا ستختفي عن الخارطة.
وترحم على الملك حسين و الرئيس العراقي الراحل صدام حسين. و دعا الله أن يفك محن سورية، و ان تعود العلاقات بين عمان ودمشق الى سابق عهدها. وسألته هنا، لماذا تستدير بالسؤال و الدعاء الى عمان ودمشق، فاجابني بحس فطري عروبي : لانه عندما تخدش علاقات البلدين و تصيبها أزمة، فاعلم أن العرب يمرون في محنة شديدة.
ولنعد الى موائد الرحمن. و بحكم الفضول الصحفي حاولت استقصاء بالسؤال عن عمل الخير في رمضان، و كانت الاجابات والردود مخيبة للامال و الظنون، و لربما أن رمضان الجاري من أفقر شهور العام، و من أقل منسوبات فعل الخير مقارنة بمواسم رمضانية فائتة.
فرمضان الذي كنا نخبره زمان قد اختفى، و عمل الخير موسمي، و مربوط بعجلة الانتخابات و استعراضات شهوانية لكثير من رجال الاعمال و البزنس الطامحين في الكراسي، و المصابين بغرور السلطة و امراضها، ولا يتحرك كثير منهم الا أمام كاميرات تؤثق بـ»الثانية و اللحظة و الخطوة» ما يسيل عن جوانبهم من من عطايا ومساعدات للفقراء و المحتاجين.
وقد اختفت، ولماذا لا نقول اختفى عمل الخير؟ و يبدو أنها مجرد كليشيهات يستبدلون بها الناس عيشهم ، من حياة الى أخرى. وهذا ما وصلنا اليه دولة ومجتمعا.
رمضان موسم الغرق في طقوس تبتعد عن معناها بمسافات. الزهد اين يمكن أن تعثر عليه، والشراهة تقتل النفوس. و التضامن الاجتماعي يتحول الى ابتزاز و سخافة و طوابير تنتظر طرد خير، و الكاميرات والمصوريين أكثر من طرود الخير، و من المحسنين من يسلتذ في العطف و انحناء الفقراء لالتقاط طرود الخير. وحتى هذه المظاهر و الصور على قسوتها قد اختفت من رمضان الحالي.
في رمضان اهلا بك في ماكينة استهلاك لا تعرف الرحمة. سوق لبارونات رمضان لا يعرفون من جمهور الصائمين غير اصطيادهم ليكونوا ارقاما في حواشي الشهر الفضيل، وبغريزة لا تتنافى مع شهوة السيطرة و التبعية و التحكم و حتى حسابات الثواب و الجزاء يقيسونها بمعادلة الارض لا السماء، فالجزاء لا ينتظرونه بعد الرحيل إنما يبحثونه في اليوم التالي أو بعد ساعات.
الدستور