عـنـدمـا نـختـلـف فـي الـرأي

مدار الساعة ـ نشر في 2019/05/16 الساعة 00:45
د. صلاح جرار لكلّ إنسان رأيه في ما يراه أو يسمعه أو يدركه بحواسه المختلفة، لكنّه قد يجهر برأيه ويحاول نشره بين النّاس، وقد يخفيه ولا يعنيه إن عرف الناس برأيه أم لم يعرفوا. ومن الطبيعي نتيجة تعدّد الآراء وكثرتها أن يختلف الناس في آرائهم كما يختلفون في أذواقهم وأجناسهم وألوانهم وطبائعهم ولغاتهم ومرجعياتهم الثقافية والفكرية وغيرها. وهذا الاختلاف في الآراء نعمةٌ من نعم االله تعالى على خلقه، لأنّ هذا الاختلاف يساعد كثيراً في الوصول إلى الحقائق أو إلى جوانب منها قد تكون خفيت على صاحب الرأي الواحد، فكلّ صاحب رأي ينظر إلى الموضوع الذي يبدي رأيه فيه من زاوية محدّدة، بينما ينظر الآخرون إلى الموضوع نفسه من زوايا أخرى مختلفة ممّا يتيح للباحث عن الحقيقة في ذلك الموضوع أن يرى الأمر من الزوايا كافّة فيكون أقدر على الحكم على ذلك الأمر ممّن ينظر إليه من زاوية واحدة ضيّقة فقط. والذي أراه أنّه ليس على من يعدّل من رأيه أو يغيّره من ضير إذا وجد في الآراء الأخرى ما يقنعه بوجهة نظر أخرى، والذي أراه أيضاً أن تعدّد الآراء في الموضوع الواحد واحترام تلك الآراء بعد الاطّلاع عليها وتفحّصها والتعرف على حجج أصحابها، هو ممّا يسهم في تقدّم المجتمعات وتطوّرها ونهضتها وتعزيز قواعدها وثوابتها وخططها ومشاريعها وتطلّعاتها، لأنّ المجتمع حينذاك يسير إلى الأمام على نور من المعرفة واليقين والثبات. والأصل في الاختلاف في الرأي أن يكون على ما يستفيد منه المجتمع والناس، ولذلك فإنّ ثمّة أموراً لا يجوز أن تختلف الآراء فيها بل ينبغي أن تكون واحدةً موحّدة، فالاختلاف في الرأي على الوسائل التي يستطيع المجتمع من خلالها أن يتغلّب على ظاهرة البطالة هو اختلافٌ محمود وله نتائج إيجابيّة، ولكن لا يجوز بأيّ حال أن تختلف الآراء حول ضرورة القضاء على البطالة أو عدم القضاء عليها. والاختلاف في الرأي حول الوسائل التي تساعد المجتمع على مواجهة المرض والفقر والأميّة والتفرقة وغيرها اختلافٌ محمودٌ أيضاً لأنّه يساعد في إيجاد حلول كثيرة لهذه المشكلات، إلاّ أنّه لا يجوز أن يكون الاختلاف في الرأي حول ضرورة مكافحة المرض والفقر والجهل والتفرقة وسواها أو عدم مكافحتها. وكذلك يقال عن الاختلاف في الرأي حول الوسائل والطرق الكفيلة باستعادة الأراضي العربيّة المحتلّة من الاحتلال الصهيوني، فهو اختلافٌ مشروع وضروري لأنّه يدلّ على رغبة لدى المختلفين في استعادة الأراضي المحتلّة، لكنّه لا يجوز بأيّ حال أن تختلف آراء هؤلاء المختلفين حول ضرورة العمل على استعادة تلك الأراضي أو عدم العمل. فالاختلاف يجب أن يكون في الوسائل التي تضمن تحقيق مصالح الناس والمجتمعات وليس في ضرورة العمل لتحقيق تلك المصالح أو عدم العمل. ومتى بلغ الناس في اختلاف الآراء إلى درجة الاختلاف في مبدأ الدفاع عن الحقوق والسعي إلى المصالح الوطنية والاجتماعية، فعند ذلك يصبح المجتمع عرضة للتفكّك والانهيار والأمّة عرضة للهزيمة والضياع. الرأي
مدار الساعة ـ نشر في 2019/05/16 الساعة 00:45