تحفيز الاقتصاد.. الحلقة المفقودة...!!

مدار الساعة ـ نشر في 2019/05/13 الساعة 21:39

المحامي الدكتور محمد ابو هزيم

الخلل البنيوي المتمثل بظاهرة الفقر والبطالة أصبح الخطر الأكبر الذي يواجه الحكومات والشعوب في العالم العربي امام حالة من العجز لأي تحفيز اقتصادي، لذلك أصبح هم أي فريق اقتصادي في أي منظومـــة مـن دول
العالم هاجسه هو البحث عن السبل الكفيلة للتخفيف من هـول البطالـــة والفقر، هذا الخلل البنيوي الذي أصبح ينخر المجتمعات في العالم أجمــــــع وبالخصوص في دول منظومة العالم الثالث بسبب الأزمات الإقتصاديـــــة العالمية وارتفاع الأسعار، وربما أيضا لأسباب سياسيــــة كثيــــــرة أدت بالنتيجة إلى عدم الإستقرار الأمني والإقتصادي والسياسي والإجتماعـــي، خلفت من ورائها جيشا من العاطلين عن العمل الذي هو بالنتيجة أحد أسباب الفقر والخلل
الاجتماعي والعالم العربي انموذجا إذا استثنينــا دول الخليــج التي أصبحت تهرول نحوالأميركان والكيان الصهيوني الحديث عـــــن أي خلل في المجتمـــع لـــم يعد مقبــــــولا إن لم تصاحبه اقتراحات واجتهادات للوصــول إلى حلول تزيد من حالة الوعي التكويني لكـــــــل أفراد المجتمع للوصـــول إلى نتائج وبدائل تساهم في بنـــــــــاء رافعة للوطــــن، فالعمل الجماعي إن لـــم يكـــن هاجسه هو حسن النية فإن عوامل نجاحه قليلــــــة، ولعل أحد هذه الحلــــول أو الإقتراحات هو تحفيز الاقتصــــــــــاد وزيادة الإنتاجية بطريقة عملية ومتطورة أساسها التعليم والتدريب العملي وانشاء المعاهد التعليمية المتوسطـــة لتحقيق هذه الغاية.

لذلك يبقى السؤال الذي يبحث عن جواب هو كيف يمكن لكل دولة أن تطور وتزيد في كمية وإنتاجية اليد العاملة لمصلحة الإقتصاد الوطني، ففي دولة مثل المملكة الأردنية الهاشمية تشكل نسبة المتعلمين نسبة عالية جدا إذا مــا قورنت مع مجموعة دول العالم الثالث الذي تنتمي إليه هذه الدولــــة، ومع ذلك فإن التعليم الأكاديمي لا يكفي لتعزيز وزيادة الإنتاجية بل لا بـــد مــن تطوير المهارات وزيادتها للعاملين من الرجال والنساء بإنشاء المعــــاهــد المتخصصة للتدريب والتي لا تزيد فيها مدة الدراسة والتدريب على سنــــة واحدة في حدها الأعلى.

الحقيقة التي لا يمكن تجاهلها أن الإقتصاد الأردني يعاني من تدني الإنتاجية وتراجع تنافسية مختلف القطاعات الإقتصادية، علما بأن قياس الإنتاجية يتم حسابه إما على أساس كل عوامل الإنتاج مجتمعة أو على أساس إنتاجيــــــة العمال وهي الناتج للوحدة من إنتاج العمال ويقاس ذلك إما بعدد العامليـــــن أو بعدد ساعات العمل..

ان الأصل في تحفيز الاقتصاد يبدأ بزيادة الإنتاجية من منظور نقدي فـــــإذا ارتفع الثمن المتقاضي لقاء ناتج ما دون زيادة في تكلفة عوامل الإنتاج، فإن ذلك يعتبر زيادة في الإنتاجية، وهذا ما تسعى إليه كافة اقتصادات العالـــــم الحر.

لقد أصبح زيادة الإنتاجية وتعظيمها هو الهدف الرئيسي الذي تسعى إليه كافة اقتصاديات الدول خاصة الدول قليلة الموارد والتي لا يوجد لديهــا اقتصاد هيكلي مثل البترول والغاز والمعادن الثمينة كالذهب والفضــــة والنحاس والفوسفات في مرحلة لاحقة، لذلك فإن السعي من منظــــــور العمل اللائق لتطوير المهارات العمالية التي من شأنها في آن واحـــد أن تزيد في كمية وإنتاجية اليد العاملة المستخدمة في البناء الإقتصــــــادي.

نعم إن من شأن تطوير المهارات القابلة للإستخدام بالتدريب العملي وتنمية الموارد البشرية والوصول إلى إنتاجية متقدمة والتي بدورها تعتبر أحــــد الأسس لتحسين مستويات المعيشة وزيادة النمو في الناتج العمالي، ومما يعني زيادة فرص العمل اللائقة الأمر الذي يعني التخفيف من هول البطالة هذا الخلل البنيوي الذي أصبح ينخر أغلبية دول العالم والعالم الثــــالــــــث بالخصوص والأردن انموذجا في هذا الخلل للغياب الحقيقي في الوصــول إلى حلول اقتصادية غير زيادة الضرائب وآخرها قانون ضريبة الدخـــــل لعام 2018 والذي يعتبر نكسة اجتماعية واقل ما يقال عنه انه يخالف ابتداء المفهوم الأساسي لإعادة توزيع الدخل في المجتمع وفي الدولة الأردنيــــــة

إن أهم أسس التحفيز الاقتصادي وزيادة الإنتاجية وزيادة النمو الإقتصادي تكمن في البحث عن الوسائل التي تؤسس بين احتياجــــات ســـوق العمــــل والتنسيق مع مخرجات التعليم والتركيز على فكرة ربط التعليم بالتـــــدريب التقني ودخول سوق العمل بالتعليم في مكان العمل والتعلـــــم المتــــواصل والتجربة الموجودة حاليا في المملكة المغربية تؤسس لمثل هذه الحالة.

نعم إن إستدامة الإنتاجية وتطوير المهارات الفنية والعملية من شأنه أن يؤدي إلى مخرجات مهمة يتم ترجمتها بإنتاج فرص عمل كثيرة للعمال المهرة، خاصة ذات التحدي الكبير لكافة دول العالم الثـــــالث والـــدول العربية بالخصوص باستثناء دول الخليج البترولية وهو هذا الهول الكبير من العاطلين عن العمل.

إن من شأن هذه الدول أن تبقى في حالة استجداء للحصول على المعونات، وهذا ما يترك أثرا سلبيا على خياراتها السياسية وهو أحد التحديات الكبيرة التي تواجه المملكة الأردنية الهاشمية، نقولها بكل صراحة فلم يعـــــد الأمر خافيا على أحد إلا من أراد التقصد بالجهل وعدم المعرفة لواقع الحال ومـــا وصلنا إليه بعد أن أصبحت المديونية تزيد عن خمسة وثلاثـــــــين مليــــار دولار تقريبا.

إن كل هذه الأسباب مجتمعة ومنفردة وأسباب أخرى أدت إلى تدنــــــــي تنافسية الإقتصاد الأردني بالإضافة إلى كثير من المسائل أولها ثقافة العيب المغروسة في المجتمع الأردني رغم أننا ساهمنا كثيرا في تطوير مهـارات العمالة الوافدة سواء بطريقة مقصودة، أو غير مقصودة، مما يستـوجـــب تعريف وإعادة بناء جديدة لمفهوم العمل وهذا ما يتطلب إيجاد منظومـــــة متطورة من التشريعات الإقتصادية وتعديلها لتصبح مسايرة لواقع المجتمع والتسارع التكنولوجي وبناء إعلامي حقيقي يصاحـــب هذه المرحلــة مــن التحديات الكبيرة التي تتطلب تعاون كل شرفاء الوطن من أجل هذا البنـــاء المهم.

لذلك لابد من إعادة الإعتبار لمؤسسات الدولة التي فسد منها الكثير إمــا بالفساد المالي أو بالتعيينات التي كانت عبارة عن تنفيع لأشخاص وأبناء المسؤولين ومن والاهم بحيث كانت فاقدة لكل مشروعية أو كفاءة، نعم لقد كانت العشر سنوات السابقة من (عصر الديجتال) وبالا علـــــى هذا الوطن الذي لا بد من إعادة الإعتبار إليه بإيجاد نخبة سياسية لديها انتماء حقيقي بالعمل والبناء وليس بالقياس على مصالحها الشخصية.

إن أهم التشريعات التي تستوجب التعديل هي منظومة التشريعات المتعلقة بالاستثمار وتشجيع الاستثمار والاستفادة من تجارب الدول الأخرى التي سبقتنا في هذا المجال، ففي تونس حيث يتعامل المستثمر من (شباك واحد فقط) بمعنى أنه لا يذهب إلا إلى جهة واحدة وخلال مدة قصيرة يستطيع أن يأخذ كافة الموافقات لكن وفق ضوابط قانونية تحفظ حقـــــــــوق الدولـــة والمجتمع.

فعلى سبيل المثال قد تقدم الدولة أرضا لإقامة مصنع ما لكنها لا تسجــــــل الأرض إلا في حالة مباشرة المصنع بالعمل الفعلي وتشغيل عدد محدد على الأقل من العمالة الوطنية وبأموال استثمارية حولت بطريقة قانونيـــة مــن الخارج وليس بأموال المواطنين من البنوك الأردنية، وهذه حقيقة تكشــــف كيف أن من أطلق عليهم مستثمرون حضروا إلى البلد وقاموا بالاستثمـــــار والمتاجرة بأموال الأردنيين عن طريق إنشاء شركات مساهمة حققت كثيرا من الأرباح على حساب الأردنيين بوسائل وطرق قانونية لكنها في الحقيقة وسائل احتيالية غذاها بعض من رجال الأعمال الأردنيين والفاسديـــــن من المسؤولين الذين تولى بعضا منهم الصف الأول من المسؤولية.

آخر الكلام؛؛؛

ان تحفيز الاقتصاد وزيادة الإنتاجية أساسه الاستثمارات الحقيقيـــــة التي تساهم فعلا في إيجاد فرص عمل حقيقية وليس بالأرقام مما يعني التخفيف من هول البطالة والفقر هذا الخلل البنيوي الذي أصبح يهدد مجتمعنا ممــــا يؤثر على استقرارنا وأمننا الاقتصادي والاجتماعي والسياسي لذلك نقــول للذين يتحدثون عن الخلل في المجتمع أن حديثهم لم يعد مقبولا ان لــــــــم تصاحبه اقتراحات عملية واجتهادات يمكن تنفيذها على أرض الواقع، لأن عصر الشعارات البراقة قد ولى في ظل أزمة اقتصادية أصبحت خانقـــــة وعجز مالي وصل إلى ما يزيد عن تسعين بالمئة من الناتـــــج المحلــــي الإجمالي، وفي ظل مشروع قانون جديد لضريبة الدخل لا يبقى في جيب المواطن الأردني شيء مخالف بذلك المبدأ الأساسي الذي يقوم عليه القانـــــــون وهو اعادة توزيع الدخول في المجتمع.

محام وأكاديمي

مدار الساعة ـ نشر في 2019/05/13 الساعة 21:39