الطورة يكتب: نحو «كتلة تاريخية» لإفشال صفقة القرن!
مدار الساعة ـ نشر في 2019/05/12 الساعة 00:34
الكتلة التاريخية مصطلح او مفهوم أول من أطلقه هو المفكر الأيطالي المشهور أنطونيو غرامشي في بدايات القرن المنصرم لحل المشاكل التي عاشتها ايطاليا في تلك الحقبة والناتجة عن التباين في التطور ما بين الشمال المتقدم صناعياً والجنوب المتخلف اقتصادياً والواقع تحت هيمنة الكنيسة.
ورغم كون غرامشي شيوعيا الا أنه وجد بأن أطروحات الماركسية وخاصة ما يتعلق منها بمفهوم البروليتاريا أي الطبقة العاملة وحزبها الشيوعي كقائد للتغيير غير واقعية في مجتمع غالبية سكانه لا يعملون بالصناعة، ولذلك طرح فكرة الكتلة التاريخية التي يقودها المثقفون والتي تجمع جميع مكونات المجتمع الأيطالي المتقدمة منها والمتخلفة بما في ذلك الكنيسة.
ومن خلال المقارنة بين أوضاع الأقطار العربية في زماننا هذا مع حال أيطاليا زمن غرامشي، طرح المفكر المغربي محمد عابد الجابري مفهوم الكتلة التاريخية الغرامشي كوسيلة للإصلاح والتغيير الاجتماعي من أجل الخروج من المآزق التي تعاني منها الأقطار العربية من تخلف مركّب وما تواجهه من أخطار وتحديات خارجية. لكن الجابري وأن استعار مفهوم الكتلة التاريخية من غرامشي الا أنه لا يقصر قيادتها على المثقفين الذين يسميهم غرامشي بالعضويين فقط، وأنما ينظر اليها كاطار تنظيمي واسع يجمع كافة أشكال الطيف السياسي والاقتصادي والنقابي والثقافي والاجتماعي ــ في مرحلة تاريخية معينة ــ على شكل "جبهة وطنية " تضم كافة القوى الاجتماعية على أختلاف مشاربها للوقوف صفا واحدا في وجه الهيمنة الأمبريالية السياسية والأقتصادية والثقافية.
لقد استلهمت هذ النموذج الجبهوي معظم حركات التحرر الوطني في العالم والأمثلة على ذلك كثيرة ، كالثورة الصينية التي قادها ماوتسي تونغ في أربعينيات القرن الماضي أو ماعرف بالمسيرة الكبرى التي ضمت العمال والفلاحين والشيوعيين والقوميين ، وكذلك جبهة التحرير الجزائرية في ستينيات القرن الماضي التي ضمت أيضا كافة القوى الوطنية والشرائح الأجتماعية في جبهة واحدة لمقارعة الأستعمار الأستيطاني الفرنسي ونيل الأستقلال، وكذلك ماقامت به الثورة الفيتنامية من خلال جبهة الفيتكونغ ، وحديثا بظهورحركة المقاومة الفلسطينية في بداياتها قبل أن تتدخل الأنظمة العربية بأجهاضها بل بتفجيرها من الداخل ، من خلال تشكيل منظمات مستقلة عن الحركة الأصلية مما أدى الى تصدع جبهة المقاومة نتيجة للخلافات والصراعات فيما بين مكوناتها ، اضافة الى الأنشقاقات داخل هذه المكونات أيضا والتي أدت بالتالي الى اضعافها والتخلي عن الهدف المركزي الأساسي المتمثل بالتحرير من البحر الى النهر ، حيث كانت النتيجة في النهاية اتفاقيات أوسلو والأعتراف بالكيان الصهيوني المسيطر على معظم أراضي فلسطين مقابل السعي لإقامة دولة فلسطينية على حدود الـ4 من حزيران لعام 1967م وعاصمتها القدس الشرقية. وحتى هذا الهدف تم اجهاضه من خلال اعتراف الولايات المتحدة بالقدس عاصمة موحّدة للكيان الصهيوني ونفذت هذا فعليا من خلال نقلها لسفارتها الى القدس بعد أن كانت في تل أبيب كمقدمة للتصفية النهائية للقضية في اطار ما يسمى بصفقة القرن التي يروّج لها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، والتي سيعلن عنها كما يقال بعد انتهاء شهر رمضان المبارك " كعيدية على مايبدو!! " للعرب والمسلمين والفلسطينيين!
ان الأيام القادمة لحبلى بما هو خطير وبخاصة في ظل وضع عربي وفلسطيني يرثى له. فالحلول التي يتم تسريبها لا تبشر بحل عادل للقضية وأنما بتصفيتها جذريا. وقد بدأت ملامح هذا الحل بالظهور من خلال اغلاق الولايات المتحدة لمقر بعثة منظمة التحرير في واشنطن ، والدعوة الى انهاء وكالة غوث اللاجئين الفلسطينين لأن معظم اللاجئين ـــ حسب زعمهم ـــ الذين عاصروا النكبة قد ماتوا ولم يبقى منهم سوى 60الفا ، أما الأجيال التي ولدت خارج فلسطين فيعتبرونها مواطنين في تلك الأقطار التي ولدوا فيها يجب تجنيسهم وتوطينهم فيها كالأردن ولبنان وسوريا. ولذا فإن الخطر يهدد ليس الفلسطينين فقط وأنما العرب أجمعين وعلى الأخص سوريا ولبنان وفي المقدمة الأردن كمستهدف رئيسي لأن غالبية اللاجئين يتواجدون فيه، وهو ماتطرحه اسرائيل تحت مايسمى بالوطن البديل.
هل يمكن التصدي لهذا الخطر الداهم وأفشاله ؟ الجواب بنعم، ولكن هذا يتطلب ما تحدثت عنه في بداية هذه المقالة، وهو تكوين الكتلة التاريخية أي الجبهة التي تضم كافة القوى الشعبية داخل كل قطر يمكن أن يستهدفه هذا الخطر الداهم سواء أكان هذا القطر أردنيا أم سوريا أم لبنانيا أم فلسطينيا. واذا كان كل من الأردن او سوريا أولبنان مستهدف ويمكن ان يتأثر بالنتائج السلبية لما يروّج له من حلول تصفوية للقضية الفسلطينية ، فان المستهدف في الدرجة الأساس هو الشعب الفلسطيني وقضيته ووطنه . ولهذا ومن اجل التصدي لمثل هذه المشاريع وأفشالها لابد من توحيد جهود كافة القوى الوطنية الفلسطينية في اطار تنظيمي واحد هو منظمة التحرير الفلسطينية . ولتحقيق هذا الهدف المركزي لابد من إنهاء حالة الأنقسام الفلسطيني بين حماس في غزة والسلطة في رام الله ، لأن الخطر يستهدف الجميع، ومالم تكن هناك وحدة عضوية بين مكونات كل قطر والفلسطينيون في المقدمة ، ومن ثم وحدة أو جبهة او كتلة تاريخية تضم كافة القوى الشعبية على مستوى الوطن العربي ودوله ، وحدة تعظّم المشتركات بينها وتنحّي خلافاتها جانبا للتصدي للتحدي والخطر الخارجي الداهم، فان مخططات الأعداء ستحقق أهدافها بسهولة، وساعتها لاينفع الندم بعد فوات الأوان . لكن أملنا لقوي بأن هذه الأمة التي تصدت للأعداء وهزمتهم مغولا ومستعمرين، لديها من الطاقات الكامنة ما يمكنّها من التصدي لما يحاك لها من مؤامرات ودسائس وأفشالها، وهزيمة كل الطامعين الجدد بهذا الوطن كما هزمت من هم على شاكلتهم في الماضي القريب والبعيد . فهذه الأمة لديها خاصية مميزة، وهي أن طاقاتها الدفاعية الكامنة تتجلى في أبهى صورها في ساعات الشدائد والمحن.
مدار الساعة ـ نشر في 2019/05/12 الساعة 00:34