الآذان سينطلق من أبواق السيارات
هل من الممكن يوما أن نرى اليهود وقد إعتادوا العيش بهدوء دون تأجيج النيران حولهم،أم إنها عقدة الخوف والطمع التي إجتمعت في عقلية مؤسسي الصهيونية المتطرفة حيث لا عهد لأي حليف سياسي معهم إلا بقدر رضوخه لمصالحهم،وحتى تلك لا يمكنها حماية حليفهم من شرّ أعمالهم وسوء نواياهم، فلينظروا الى الولايات المتحدة التي أخلص رؤساؤها لتل أبيب وكان آخرهم باراك أوباما الذي ركع حتى أخمص قدميه طاعة لنتيناهو، ولم يسلم منهم،ومع هذا لا يزال الجاسوس «جوناثان بولارد» شاهدا على مرض الريبة واللصوصية التي ترعرع عليها غالبية جيل قادة الحكومة الإسرائيلية، فجندوه ليتجسس على الأمريكيين.
أخيرا قرر الكنيست الإسرائيلي تشريع قانون منع الآذان في مدينة القدس مهد الأنبياء، والآذان لحسن الحظ هو النداء الخالد الذي صدح أول إنسان به عبدٌ حرره الإسلام «بلال بن رباح»، وهو نداء لعبادة يومية لله تعالى الذي بعث الأنبياء وأبوهم إبراهيم عليه السلام،وإذا كانت الحكومة الإسرائيلية وأقطابها الصهاينة من معسكر بنيامين نتنياهو ونفتالي بينيت وأتباعهم يؤمنون بإسرائيل وهو النبي يعقوب عليه السلام، فليس عاقل أبدا من يمنع النداء للصلاة لله وهو يصر على شرعنة يهودية دولته،إلا إذا كان حاقدا على كل شيء غير يهودي في العالم.
بحق القوة إستطاع قادة الكيان الإسرائيلي فرض الأمر الواقع على الأراضي الفلسطينية التي إحتلوها وأقاموا عليها دولتهم عام 1948، وحتى اليوم لا يزال النزاع قائما في أوساط المجتمع الإسرائيلي نفسه، هل يسمونها دولة علمانية مختلطة الأعراق والأديان أم يصبأون عن دينهم السياسي لصالح موروثهم اليهودي المتمكن،وخيارهم الأخير بات واضحا، لا وعد صادقا مع أي طرف آخر عربي كان أو حليف غربي، لا حل لدولتين، لا سلام كامل، لا تعاون مع الجار الفلسطيني الذي قبل بأقل القليل من حقه في كيان يشبه كل شيء إلا الدولة، ومع هذا نجح اليمين وبفضل عناد البيت اليهودي وجيش الأحزاب المتطرف من قراءة أولى لمنع مآذن القدس أن ترفع الآذان منها.
قبل أيام وتزامنا مع قرار حظر الآذان، وبناء على معلومات شحيحة نشرتها صحيفة» هآرتس» اليسارية، ثارت زوبعة من الإنتقادات المشوبة بالخشية في الأردن،جراء ما نقلته الصحيفة الإسرائيلية عما أسمتها مصادر خاصة تحدثت عن فكرة ضعيفة للسفيرة الإسرائيلية في عمان «عينات شلاين»، تحدثت بها عما أسمته تقديرا متشائما عن الوضع في الأردن وقلقها من التطورات والوضع المضطرب،وهذا بالطبع إن صدر رغم نفي الخارجية الإسرائيلية، فهو تقدير موقف من وجهة نظر إسرائيلية غير مكتملة وغير واضحة، فالقلق موجود وسببه الوضع الإقتصادي الذي يعرف تحدياته الجميع،وبلادنا إعتادت منذ سنين طويلة على تلك التسريبات التي لا يمكن بناء أي فكرة عليها سوى الحك على جرب البعض.
مشكلتنا في الأردن أن الإختلاف في الرأي السياسي يؤثر وبعنف على مصالحنا الخارجية، ومصلحتنا فيما يتعلق بـ»القضية المقدسية» هي الحفاظ على الهوية العربية الإسلامية للقدس الشريف بما فيها الهوية المسيحية التي لا تحترمها الحكومة الإسرائيلية أيضا، ومسألة إعتقال موظفي الأوقاف والإفراج عنهم فورا، وتعطيل أعمال الترميم والصيانة التي يتولاها الأردن هناك بأوامر ملكية مباشرة، لا أحد يتحدث عنها، بقدر ما يتحدثون عن تسريبات محتملة بين سفيرة لا يمكنها التجول وبين قائد عسكري إسرائيلي، ولكن هناك ضغطاً أردنياً غير معلن لمنع الكثير من الخروقات اليمينية في القدس.
ولكن المشكلة في إسرائيل أكبر وأعمق،إنه بداية عصر الإنحطاط الأخلاقي والسياسي والديني الذي يصنعه المتطرفون في الحكومة والكنيست، فيمنعون الآذان، وغدا سيمنعون أجراس الكنائس بلا شك، ولكن هل يمنعون «الشوفار» وأصوات الأبواق أن تطلق صيحاتها في صلواتهم وأعيادهم، أم هو إعلان مبكر ليهودية دولة لم يتم الإعتراف بها رسميا عند كثير من الدول ومشكوك فيها عند كثير أخريات، أم إن نتنياهو سيقف على باب قلعة منظمة «هاليبا» وحاخامها الأكبر يهودا كليك، ليعمده كقيصر يهودي لا يسمع سوى صدى صوته فقط.
لننتظر وسنرى الفلسطينيين الذي دوخّوا حكماء تل أبيب غير العاقلين، كيف سيرفعون الآذان من مكبرات الصوت في مركباتهم بدلا من المآذن، ومن أسطح المنازل،وسيثبتون لأعداء المنطق وعشاق الفصل العنصري في إسرائيل،إن الله هو الذي إختار العرب المسلمين ليقرروا مصير القدس لا شتات لا صلة لهم ببني إسرائيل.
الرأي