وهم تمكين المرأة

مدار الساعة ـ نشر في 2019/05/05 الساعة 12:10
عبير مامي إن اقامة المؤتمرات والندوات التي تتغنى بنجاح المرأة والتي يتم من خلالها استعراض نماذج لسيدات حققّن تقدماً في مجال معين على أساس أنهن القدوة المفروض الاحتذاء بها لا يعني بحال من الأحوال اننا وصلنا لغايتنا المنشودة في تمكين المرأة، فلو كنا أكثر عقلانية وإنصافاً ونظرنا للموضوع بشمولية أكبر لأدركنا أن ما يحدث ما هو إلا بهرجة إعلامية لاستعراض مثالية المجتمع وتحضُره في تبنيه لفكرة تحرير المرأة وكأن تمكينها لا يتحقق إلا بتفوّقها المهني الفردي الذي أصبح مرهوناً بحصولها على شهادة عليا أو منصب مهم أو لقب أو راتب خيالي. إن موضوع تمكين المرأة لا يمكن اختزاله بالخضوع لسيطرة الكسب الفردي فقط بل الأمر يتطلّب أكثر من ذلك بكثير، أولا علينا الاعتراف أن هناك صعوبات وعوائق تعاني منها المرأة عموماً نظراً لطبيعتها سواء كانت وزيرة أو مديرة أو موظفة أو طالبة أو ربة منزل، لا أحد يمكن أن يجادل مثلاً أن الرجال عموماً أقوى من النساء جسدياً ويمتلكون مساحة من الحرية عكس ما يُفرض على المرأة من ضوابط مجتمعية تحد من خياراتها في الحياة عموماً، ولا يمكن إنكار ما تواجهه من تحفظ إذا كانت تعمل في وظائف فيها اختلاط أو تحتاج إلى ساعات عمل متأخرة، بالإضافة إلى ما تواجهه المرأة المتزوجة من أعباء ومسؤوليات وحاجة أطفالها للرعاية خصوصاً بالسنوات الأولى، ناهيك عن ما تواجهه من تعسف نتيجة للتشريعات والقوانين التمييزية المطبقة حالياً ما يحرمها من حقوقها الأساسية والقائمة تطول. أكاد أجزم هنا أن تمكين المرأة لايتحقق إلا بتحريرها من مصطلح «تمكين المرأة»، الذي أعتبره شخصياً شكلاً من أشكال العبودية المقنّعة، فعن أي تمكين نتحدث إذا كانت التشريعات والقوانين والانظمة تحرم المرأة من أهم حقوقها، على سبيل المثال لماذا يفتقر قانون العمل الأردني لوجود مادة صريحة تنص على تساوي الأجور بين الجنسين، لماذا يشترط القانون لتستفيد والدة المؤمن عليه المتوفى من راتبه التقاعدي أن لا تكون متزوجة من غير والده، وكأن زواجها مرة ثانية يغير من وضعها كأم، لماذا لا يجيز قانون الجنسية لأبناء المرأة الأردنية المتزوجة من غير الأردني الحصول على الجنسية الأردنية بينما يعطي هذ الحق للرجال وكأنه يعاملها على أساس أنها مواطنة من الدرجة الثانية، بأي منطق تَحول تعليمات وأنظمة صادرة عن وزارة الصحة دون إعطاء المرأة الحق في ادخال ابنها إلى المستشفى على أساس أنها ليست الوليّ الشرعي، فتعريف الوليّ الشرعي يكون للأب وفي حال غيابه الجد للأب وفي حال غيابه العم وللأسف لا يملك الجد لجهة الأم أو الخال أي ولاية شرعية على الطفل. وإن حدث وانتصرت لها التشريعات مستقبلاً، ماذا عن تمكينها نفسياً ومادياً، هل تم منحها الحق الكامل في الحصول على مستوى التعليم الذي تطمح إليه بإزالة أي عوائق تمنعها من ذلك، هل تم تعزيز استقلالها المادي بتسهيل انخراطها في العمل وتوفير بيئة مناسبة لها كتيسير وصولها من خلال وسائل نقل أمنة مثلاً، ولماذا لا يتم تطبيق نظام ساعات عمل مرنة أو إتاحة إمكانية العمل من المنزل، لماذا لا يتم اجبار المؤسسات على توفير دُور حضانة في اماكن العمل خصوصاً أنه مطلب قانوني ولكن يفتقر للتنفيذ على أرض الواقع في كثير من الشركات والمؤسسات. المرأة في النهاية ليست كالرجل ولكنها تملك القدرة للقيام بالكثير إذا ما أُتيحت لها البيئة المناسبة لتمكينها على أرض الواقع فلماذا نحرمها من هذه الفرصة، لماذا لا نبدأ باتخاذ خطوات فعلية تمكن المرأة على أرض الواقع بدلاً عن اضاعة الوقت في اقامة مهرجانات استعراضية لا تسمن ولا تغني من جوع!!!
الرأي
مدار الساعة ـ نشر في 2019/05/05 الساعة 12:10