ملفات مهمة على مكتب مدير المخابرات
أ.د حسين الخزاعي *
القارئ المتأني والمدقق والمحلل لمضمون الرسالة التي وجهها الملك عبد الله الثاني لمدير المخابرات اللواء أحمد حسني بعد أن صدرت الإرادة الملكية بتعيينه مديرا للدائرة اعتبارا من تاريخ 1-5-2019 ، يتوقف عند رسائل شفافة رغب الملك ارسالها إلى ابناء المجتمع الأردني وإلى مدير المخابرات العامة كون هذه الدائرة مسيجة في حب الاردنيين، ويجتمع ابناء المجتمع على اختلاف امزجتهم وانتماءاتهم وحزبيتهم على احترامها وتقدير العاملين فيها، والملك يشدد على تكاتف الجميع وتعاونهم لمواصلة مسيرة التقدم والبناء في الوطن.
من خلال قراءة علمية متأنية لمحتوى مضمون الرسالة الملكية، وكباحث ومراقب ومتابع ومحلل ، اجد من واجبي وبكل امانة ان اشير الى الواجبات المهمة جدا الموكلة لمدير المخابرات العامة والتي اجزم بان رسالة الملك ستكون على مكتبه ينفذها اولاُ بأول بلا تقصير ولا تلكأ أو تأجيل، فنلاحظ كيف أن الباشا (احمد حسني) قد التقط الاشارات التي وردت في الرسالة الملكية، وكتب في رده على رسالة الملك بلغة النشامى المخلصين (مولاي المعظم، إن ثقتكم الغالية والعزيزة، يا مولاي، ستبقى ديناً في عنقي). والأردنيون يعرفون ماذا يعني الرجال عندما يقولون دينا في عنقي، يعرفون معنى هذه الكلمات، فالذي يمنحه الملك ثقته لخدمة الوطن، روحه وحياته وعمله واخلاصه مسخر للقيام بواجباته على اكمل وجه.
الاشارات والتلميحات والواجبات المهمة التي وردت في رسالة الملك عبد الله الثاني إلى مدير المخابرات نوجزها فيما يلي:
1- رسالة الملك كتبت بحرفية تامة، واجزم ان الملك حرص على توظيف العمل الاحترافي لدائرة المخابرات مدعوما في القانون والدستور والوطن والمواطن والوطنية والانتماء للوطن وانجازاته والامل بالمستقبل لمواجهة التحديات الجديدة التي بدأت تفرض على الأردن والتي وصفها الملك بأنها تحديات غير مسبوقة، وهنا لا بد من التوقف عند صفقة القرن والاشارات التي بدأت تصدر من امريكا بانها اصبحت جاهزة والاعلان عنها حسب تصريحاتهم سيكون بعد عيد الفطر اذا لم يكن قبل ذلك، تداعيات صفقة القرن على الاردن ستكون خطيرة وخاصة في ظل تمسك اسرائيل بقرار حل الدولة الواحده والغاء فكرة حل الدولتين من قاموسها . في ظل هذا التشرذم العربي ووجود من يصفق ويؤيد الحل الاسرائيلي على حساب الاردن، وفي ظل نتائج انتخابية افرزت فوز نتنياهو مدعوما من 102 نائب في الكنيست من اصل 120 نائبا يدعمون مواقفه وتطلعاته لحل القضية الفلسطينية بدون الاعتراف او الاشاره للدولة الفلسطينية، هذا يتطلب جهداً كبيراً في متابعة هذا الموضوع وتداعياته الخطيرة على المجتمع الاردني.
2- كان الملك حريصا على الطلب من مدير المخابرات برصد (وهنا أضع تحت كلمة رصد الف خط لأهميتها) فعندما يطلب الملك رصد كل المحاولات اليائسة التي نلمسها - خصوصاً في الآونة الأخيرة - والهادفة للمساس بالثوابت الوطنية الأردنية، والتعامل معها بفاعلية، وفي التصدي لكل من تسول له نفسه محاولة العبث بالمرتكزات التي ينص عليها الدستور الأردني، وفي مواجهة البعض ممن يستغلون الظروف الصعبة والدقيقة التي نمر بها، والهموم المشروعة، التي نعمل على تجاوزها، لدى بعض الفئات في مجتمعنا، طلباً لشعبية زائلة، تاركين بذلك أنفسهم، سواءً عن علم أو جهل، عرضة للاستغلال من جهات عديدة لا تريد لنا الخير وتعمل على العبث بأمن الأردن واستقراره. هل يوجد اعمق واغزر من هذه الكلمات وخاصة بعد انتشار مواقع التواصل الاجتماعي والاستخدام غير السليم من قبل البعض لهذه المواقع وتوظيفها للاساءة الى الاردن والتطاول على مقدراته ورجالاته.
3- يطلب الملك من خلال تلميحاته من مدير المخابرات متابعة كل صغيرة وكبيرة في الدائرة، فالملك اشار بوضوح إلى ان دائرة المخابرات العامة - فرسان الحق، والتي كانت على الدوام مسيرتها مشرقة ومشرفة، إلا أن رائحه التجاوزات لدى قلة قليلة من كوادرها، حادت عن طريق الخدمة المخلصة للوطن وقدمت المصالح الخاصة على الصالح العام، الأمر الذي تطلب حينها التعامل الفوري معه وتصويبه. لهذا فالمدير مطلوب منه عدم الثقة العمياء، وشدد الملك في رسالته التأكيد على أن مثل هذه التصرفات الفردية والسلوك المستغل لهذه القلة القليلة، التي تناست ونسيت أن السلطة والمناصب، وعلى كل المستويات، تصاحبها وتتلازم معها بالضرورة المسؤولية والمساءلة، ولم تتعامل مع السلطة والمنصب على أنهما تكليف وواجب خدمة وطني ينبغي أن لا يحيد قيد أنملة عن اعتبارات تحقيق مصلحة الوطن والمواطن.
4- طالب الملك التأني وعدم التسرع في اصدار الأحكام المغلوطة والظالمة والسوداوية حول مؤسساتنا وأجهزتنا أو التشكيك في مصداقيتها أو نزاهتها أو تفاني ونزاهة السواد الأعظم من العاملين فيها وإخلاصهم.
5- العمل على ضمان صون حقوق وكرامة المواطن وحمايتها لأننا نفخر في الأردن دوما، بأننا دولة مؤسسات ودولة قانون، كان وسيبقى الاستمساك فيها بالدستور والقانون، واحترامهما مصدرا أساسيا لاستقرار بلدنا ومنعته، مثلما ستسهم هذه المنهجية وهذا التطوير، بلا شك، في إرساء بيئة محفزة وممكنة تقودنا إلى تعزيز وتدعيم مرتكزات الدولة الحديثة الأمر الذي من شأنه بالنتيجة أن يدعم الاقتصاد الوطني ويوجد حلولاً لمعالجة البطالة وتوفير متطلبات العيش الكريم لشبابنا الغالي. وفي هذا المقام لا بد لي من الاشارة والتأكيد والطلب من الجامعات الاردنيه بتدريس الدستور الاردني والتركيز على الحقوق والواجبات التي منحها لهم الدستور وعدم تجاوزها، فالعقد الاجتماعي هو الدستور الأردني وحقوق الاردنيين مكفولة بموجب الدستور.
6- القارئ الجيد لرسالة الملك وساغامر بالتنبؤ يجد بوادر الانزعاج والغضب بين السطور، فالملك منزعج من الذين وظفوا الدائرة ومكاتبهم لخدمة انفسهم بدلا من تسخير طاقاتهم لخدمة الدائرة وواجباتها، نلاحظ انزعاج الملك من هذه القلة المحدودة والذين تم احالتهم إلى التقاعد (...) وهم مكروا وكان الله خير الماكرين، فلا استبعد ان يقوم الباشا بفتح ملفات هؤلاء القلة من الفاسدين ومحاسبتهم في حال اكتشاف اي تورط او تجاوز جديد حتى لو احيلوا على التقاعد، فالايام القادمة مليئة بالمفاجآت وعلمتنا الحكمة والموروثات الشعبية بأن الفاسد له يوم يقع في حبال فساده ولو بعد حين.
7- نقرأ في رسالة الملك الشكر والتقدير للباشا عدنان الجندي مدير الدائرة الذي احيل الى التقاعد على جهده وتفانيه في خدمة الوطن ، فلا احد في دائرة المخابرات ينسى انسانية وتواضع وحب واحترام الباشا لهم، فامنياتنا له بالصحه والعافية ونقول له الله يعطيك العافية .
8- من يقرأ ويتمعن في الرسالة الجوابية التي ارسلها مدير المخابرات العامة الى الملك عبد الله الثاني يلمس أنه التقط الاشارت والتلميحات التي وردت في رسالة الملك ولن يسمح الباشا (احمد حسني) بأي استغلال للمنصب او الوظيفة وتغليبه على القيام في الواجب، فالمعروف عن الباشا انه من عشاق المدرسة الميدانية في العمل، فسوف يشرف ويتابع ويرصد كل من يحاول استثمار الوظيفة والموقع لجني مكاسب خاصة، فالمقربون من الباشا يعرفون انه عند الحق لا يجامل ولا يهادن ولا تتغلب عليه عوامل الصداقة والزمالة في العمل لمسايرة المخطئين عند ارتكابهم لتجاوزات او اخطاء ، لهذا نجح الباشا احمد حسني عندما عمل مديرا لمخابرات العاصمة لخمس سنوات وكانت عينه على الحراكات المجتمعية في الدوار الرابع وفي السنوات التي سبقتها ايام الربيع العربي، ونجح في ادارة الشؤون الخارجية في الدائرة، ونجح في ادارة العمليات الخاصة في الدائرة، لهذا وصفه الملك بالقدير والكفؤ فالملك في هذا الوقت الحساس والدقيق اختار الباشا لادارة هذه الدائرة التي يفتخر بها كل الاردنيين.
وبعد، نقول للباشا اعانك الله على حمل امانة المسؤولية، ومفاتيح شخصيتك وحلاوتها كانت سببا في نجاحك في كافة المواقع التي شغلتها سيمكنك من النجاح والتميز، وازيد بأن جمال تواضعك وانسانيتك وركازتك واعتزازك في عملك واخلاصك وامانتك ووسطيتك وحزمك وصرامتك لمواجهة اي اعوجاج وبعدك عن العنجهية والغرور والانانية وحرصك على احترام وتقدير الجميع افرادا وضباطا ومواطنين، هذه الخصائص مجتمعه ستوفر لك الأرضية الصلبة للنجاح والتميز والابداع وتجاوز المرحلة الخطيرة التي ستواجهنا في هذا الوطن، وخاصة اننا مقبلون على شهر رمضان وما ادراك ما شهر رمضان وتداعياته على الوطن والحكومة، ومقبلون على تغييرات شاملة في مواقع قيادية متقدمة مهمة في الدولة، فالايام او الساعات القليلة القادمة ستكون حبلى بالمفاجأت والتغيرات.
مسك الكلام، وسام مرصع بالفخر والاعتزاز نعلقة على صدر الباشا (احمد حسني) مدير المخابرات العامة على هذه الثقة الملكية والتي هو جدير بها، وكل الاحترام والمحبة والفخر والاعتزاز لفرسان الدائرة – فرسان الحق - في مختلف مواقع عملهم .
ohok1960@yahoo.com
* بروفيسور تخصص علم اجتماع