كتاب «اربدي يتذكر» للمرحوم زياد ابو غنيمة كما يقدمه محمود ابو غنيمة
مدار الساعة - ألقى المهندس الزراعي محمود ابو غنيمة- نقيب المهندسين الزراعيين الاسبق، كلمة، في الندوة التكريمية لوالده المؤرخ زياد ابو غنيمة التي اقيمت في جامعة اليرموك برعاية رئيس الجامعة وبتنظيم من كرسي عرار، تالياً نصها:
بسم الله الرحمن الرحيم
عطوفة الاستاذ الدكتور زيدان كفافي المحترم رئيس جامعة اليرموك
الاستاذ الدكتور نبيل حداد المحترم / شاغل كرسي عرارللدراسات الثقافية والادبية
السيدات والسادة الحضور ،
من لا يشكر الناس لا يشكر الله، فالشكر الموصول لجامعة اليرموك العزيزة ممثلة برئيسها والقائمين على كرسي عرار لهذه اللفتة المقدرة لتكريم نخبة من رجالات اربد والاردن الذين نفتخر بهم وبإنجازاتهم ومنهم الوالد المغفور له بإذنه تعالى زياد محمود ابو غنيمة (ابو محمود).
السادة الحضور،
ونحن نجتمع اليوم لنكرم رجالات أرّخو لاربد وللأردن، فإن الفرحة لا تسعنا بهذا التكريم الغالي على قلوبنا لاسباب عدة، اولها..
أن هذا التكريم ينطلق من أرض طالما كانت حاضرة في وجدان فقيدنا أبو محمود طيلة حياته، فقد كانت اربد وذكرياتها حاضرة دوما في احادثيه الخاصة ومقالاته السياسية على مدى عقود.
والسبب الثاني، ان هذه التكريم ياتي من كرسي عرار ، وما ادراك ما عرار بالنسبة لفقيدنا أبو محمود، فقد كان دائم الاستشهاد بخاله عرار وابنه وصفي وسيرتهم العطرة التي كان دائم الحديث عن كثير من الجوانب المضيئة في حياة ومسيرة خاله عرار وتضحيات وبطولات ابن خاله وصفي رحمهما الله تعالى.
وثالث أسباب فرحنا بهذا التكريم الجليل ، أن الحديث عن كاتبه الموسوعي " اربدي يتذكر"، حديث ذو شجون لنا نحن عائلته الصغيرة، فقد كان لكل واحد فينا من أبنائه وحتى احفاده دور في خروج هذه الموسوعة إلى حيز الوجود، إذ لطالما كنا نرافقه أبناءا او أحفادا في جولاته في أربد وحواريها وازقتها واسواقها، يطلب منا تصوير هذا المبنى او ذاك مع شرح مفصل عن تاريخه ومن سكنه ومن عمل فيه في حِرفة معينة من عائلات اربد.
في تقرير منشور في صحيفة الدستور الاردنية للكاتب د. عودة رافع الشرعة عنونه " حارس التاريخ والتراث زياد محمود أبو غنيمة"، اورد فيه الكاتب المفضال د. الشرعة " ونقف اليوم عند نموذج فريد من هؤلاء الرواد الأوائل.. إنه حارس التاريخ والتراث زياد محمود أبو غنيمة، بدأ زياد ابو غنيمة بكتابة مذكراته منذ 2007 وقد استغرق هذا العمل بضع سنوات حتى اكتملت في شكلها النهائي في كتاب « اربدي يتذكر «، ويبدو أن الباعث الرئيس على تدوينها هو رغبته في حفظ هذه الذكريات وتدوينها خوفاً من أن يطولها النسيان ولعله أراد في ثناياها عرض تجربته السياسية والحزبية للقراء، ويمكن القول أن أبو غنيمة قد خلف لنا مذكرات سياسية واجتماعية واقتصادية غنية، ولم يقتصر على رواية الأحداث بل عرض أيضاً وجهة نظره فيها وعالج قضايا سياسية مهمة، كما أنه عرّفنا على العديد من الشخصيات التي ارتبطت بتلك القضايا ولا سيما ملوك ورؤساء عرب فكانت هذه المذكرات تاريخ حقبة كاملة"
.ينبغي لنا ونحن نتحدث عن الكتاب الموسوعي اربدي يتذكر، أن ننظر إلى هذا الكتاب من زوايا مختلفةن فمن الزاوية السياسية، فقد حفل الكتاب بتفصيل واف حول معظم الاحداث السياسية التي اختزنت في ذهن الكاتب رحمه الله، منذ بدايات وعيه السياسي منذ زيارته لوالده المربي محمود ابو غنيمة في سجن المحطة في اوائل الأربيعينات إثر سجنه بتهمة تهريب السلاح لثوار فلسطين مع ثلة من رجالات اربد الوطنيين، حيث تركت تلك الزيارات أثر كبيرا لدى الطفل زياد كان منها انه أول مرة تطرق اذنه كلمات " فلسطين " والانجليز واليهود ، مرورا بذهابه مع والده ابو زياد إلى حيفا لتجهيز اول مدرسة في الأردن مدرسة العروبة التي أسسها والده في العام 1943، ومرورا بالعام 1947 حين شارك في اول مظاهرة نصرة لفلسطين ومن ثم انتظامه مع جماعة الاخوان المسلمين في العام 1948 ولما يبلغ من العمر أحد عشر عاماً. ولم تقتصر الزاوية السياسية على ذكرياته الشخصية في بواكير وعيه السياسي، بل تطرق الكاتب وبتفصيل دقيق لكثير من الأحداث السياسية التي مر بها الأردن في الأربعينيات والخمسينيات من القرن الماضي.
والجانب الاجتماعي في كتابه اربدي يتذكر، لا يقل اهمية عن الجانب السياسي، فحديثه عن العائلات التي سكنت اربد منذ العشرينيات والثلاثينيات والاربعينيات، وأماكن سكنها وتعدادها في بعض الاحيان، إضافة إلى المهن التي كانت سائدة في اربد والحرف والصناعات ومرورا بالحلاقين والخبازين والبنائين وغيرها من المهن التي كانت سائدة في اربد في تلك العقود.
وينبغي التاكيد للسادة الحضور، ان كتاب اربدي يتذكر تناول بشكل كبير دور المراة الإربداوية في مختلف مجالات الحياة في تلك الفترة، مستعينا بحالة الانفتاح التي عاشها في كنف والده المربي محمود ابو غنيمة ووالدته شهيرة صالح المصطفى التل ( شقيقة عرار)، إذ حرص على ذكر مربيته في الروضة في مدرسة الروم الارثودكس في اربد، ووالدته وعماته المربيات آمنة وزينب وشقيقاته الطبيبة ماوية والمعلمة اميرة وسحر، وغيرهن من نساء وصبايا اربد في تلك الفترة التي شهدت انفتاحا حضاريا وثقافيا ومعرفيا، وهذا ما يعزز ويؤكد حرصه كمؤورخ على ابرزا كل الجوانب في الحياة الاجتماعية وإن كانت في بعضها تتعارض مع تنشئته الدينية التي التزم بها في سن مبكر في حياته.
والجانب الأقتصادي كان حاضرا في كتاب اربدي يتذكر، فتحدث بتفصيل مقرونا بالصور لقدامى اصحاب المهن التي كانت سائدة في ذلك الوقت، من خياطين وخياطات ونجارين واصحاب الباصات واصحاب السيارات العمومية ومحطات الوقود والاطباء والصيادلة والدايات ( الممرضات ) وأطباء الاسنان ومحلات الصرفة وغيرها من المهن التي كانت سائدة.
السادة الحضور،
لقد حرص الوالد المرحوم زياد ابو غنيمة خلال إعداده لكتاب " إربدي ..... يتذكر"، ان يكون حديثه يليق بمقام اربد الأهل والمدينة التي احب وافتخر بالانتماء لها، فخرج الكتاب في مجلدين اثنين ضما في دفتيها ١٢٧٥ صفحة من الحجم المتوسط.
لقد احتوى الكتاب على ٩١ حلقة تناول في كل حلقة موضوعا مختلفا.
تناول الوالد في الحلقات ١-١٦ تسمية اربد وتاريخ الاستقرار البشري فيها ودور رجالات اربد ومواقفهم الرافضة لاتفاقية سايس- بيكو ونضالهم في فلسطين وليبيا وتشكيل حكومة عجلون العربية ودعمها لتأسيس الإمارة الأردنية ودور الإنجليز في عرقلة المجالس النيابية ودور رجالات الحركة الوطنية في معارضة الانتداب الانجليزي.
وتناولت الحلقات ١٧-١٨ البيوت التراثية في اربد كبيت عرار ودار علي خلقي الشرايري ودار المحايري.
في الحلقات ١٩-٢٠ بدأ الوالد بالحديث عن والده المرحوم محمود وتخرجه من الكلية الحربية في إسطنبول ثم انتقاله للعمل في سلك التعليم بعد تركه للخدمة العسكرية وعمله في الكرك والحصن، وفي الحلقة ٢٠ يتحدث عن قدومة للدنيا في الكرك وعودة والده الى اربد بعد فقدان وظيفته وخسارة تقاعده وقيام الإنجليز لوالده مع عدد من رجالات اربد بتهمة مقاومتهم لاحتلالهم للأردن .
الحلقات ٢١-٢٢ تتحدث عن دخوله للمدرسة وكيف قبله المرحوم بشير الصباغ في المدرسة رغم عدم بلوغه السن القانونية حين قال لجده صالح المصطفى التل " ابن محمود أبو غنيمة ما بتمشي عليه القوانين".
الحلقة ٢٣ تناولت تاسيس جدي المرحوم محمود ابو غنيمه لأول مدرسة خاصة في تاريخ الدولة الأردنية وانتقال والدي للدراسة في مدرسة العروبة واتخاذه شار عروبي للمدرسة " إن العروبة لفظ إن هتفت به فالشرق والضاد والإسلام معناه".
الحلقات ٢٤-٢٦ تناولت اساتذة مدرسة العروبة والمجلات المدرسية ومجلة العروبة التي كانت أول مجلة مدرسية تصدر في شرقي الأردن ، وتنظيم المدرسة لأول معرض فني في اربد. وأساتذة المدارس الحكومية في الأربعينيات ومديرات ومعلمات مدرسة البنات.
الحلقة ٢٧ تناولت موضوع المياه في اربد.
تناولت الحلقات ٢٨-٣٤ بيوت اربد في أربعينيات القرن الماضي والبنائين والمساحون في اربد وحارات اربد الغربية والشرقية وسكانها وشوارع اربد في أربعينيات القرن الماضي.
الحلقات ٣٥-٣٦ تحدثت عن رؤساء البلديات والقضاة والمتصرفين وقادة الشرطة في أربعينيات وخمسينيات القرن الماضي والمحامون ومخاتير اربد.
الحلقات ٣٧-٤١ تناولت أسواق ومخابز اربد.
تناولت الحلقة ٤٣ موضوع الرياضة في اربد من خلال ملعب ظهر التل والعائلات الرياضية في اربد.
وتناولت الحلقات ٤٤-٤٥ ادواراً أساسية ومهمة لرجالات من اربد
والحلقات ٤٦-٤٧ تناولت التعايش الإسلامي المسيحي في اربد.
والحلقات ٤٨-٤٩ وفاة عرار وسير ابنه وصفي على خطى والده في حمل الهم الوطني الاردني والفلسطيني.
تناولت الحلقات ٥٠-٥١ شعراء اربد وجوارها.
تناولت الحلقات ٥١-٥٥ عائلات في اربد من مختلف المناطق والمذاهب.
وتناولت الحلقات من 56- 57 و 65 و 72 و 81 حتى 90، جوانب من الحياة السياسية والحزبية في اربد ، فذكر ان اول مظاهرة شارك فيها عندما كان في عمرالثامنة من عمره ضد الاحتلال الفرنسي لسوريا، ثم مظاهرة اخرى في التاسعة من عمره ضد وعد بلفور، ويذكر هتاف المتظاهرين " سكر يا قليل الدين ضاعت منا فلسطين".
ويذكر بتفاصيل جميلة في الحلقة 58 دور الامهات في اربد ، وسماها " الاشغال الشاقة" من ترتيب البيت وتحضير وجبات الطعام وجلسات العصروينة والاشغال الشاقة الكبرى المتمثلة في " عملية الغسل الكبرى " التي تتم مرة في الشهر لوجوه اللحف والمخدات والشراشف والبرادي والسجاد.
ولا ينسى المرحوم زياد ، أن يُذكر الاجيال الحالية من أبناء اربد بعدد من الشخصيات الطريفة التي عرفتها اربد في الاربعينيات، مثل الشيخ علي الزنطوري وزعبوب وجَلق وحكك والبايظ والسومي والاعمى والهمشري وابو علي نادرة والبوز وطردة المجنونة ، يذكر هؤلاء بتفاصيل توضح جانب الطرفة في شخصية كل واحد منهم باسلوب رشيق وذكريات تسهب في تفاصيلها الدقيقة.
ويستمر الكتاب في حلقاته المتبقية من سرد دقيق لكثير من مظاهر الحياة الاجتماعية والفنية والثقافية والصحية والتجارية والمالية في اربد.
لقد اعتمد الوالد رحمه الله في مذكراته على مشاهداته وعلى مخزون الذاكرة حيث تم نقله عبر قصص شفوية، و وقصص تم سردها بطريقة غير رسمية، كما اعتمد على عشرات المصادر المكتوبة مثل المصادر التاريخية التي اختصت بتاريخ المنطقة، والعديد من الكتب والرسائل الاكاديمية، وكان للوثائق حضور واضح فنجد الكتب الرسمية والصحف والمجلات وعقود الزواج ووثائق البيع والشراء والشهادات المدرسية، واعتمد أيضاً على مذكرات جده صالح المصطفى التل التي حققها ونشرها، ويضاف الى ذلك الصور التاريخية، فقد ورد في الكتاب عدد كبير جداً من الصور للمؤلف واخوانه واخواته وابنائه، وصور للسياسيين والمخاتير والمعلمين والطلاب والاطباء، وصور للشوارع والدكاكين والمحلات والمخابز والجوامع والكنائس، وصور تراثية للبيت الاربدي القديم وصور للأزياء والاواني والاطعمة التي اشتهرت في اربد، ومن المؤكد أنه يمكننا النظر لهذه الصور بصفتها سيرة جماعية لاربد.
اكرر شكرنا لجامعة اليرموك ممثلة برئيسها الجليل أ.د. زيدان كفافي ورئيس كرسي عرار ا.د. نبيل حداد ولكل القائمين على هذا الحفل الكريم.
دمتم ودام تكريمكم تاجا ووساما نزين به صدورنا وصدور ابنائنا وأحفادنا، ودامت اربد العز والشرف والسؤدد منارة لنا نستظل بنورها ، ودام اردننا الحبيب واحة امن واستقرار برعاية الله وفضله.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته