طارق مصاروه ووصفي التل (1-2)
رحم الله الكاتب والمثقف الكبير طارق مصاروه، فقد كان نموذجا أردنيا وعربيا صافيا، ظل يعرف نفسه بأنه تتلمذ على أنطوان سعادة المفكر القومي السوري، وعاش طفولة رحبة وحياة أفضل من بقية جيله.
ولد «أبو علي» في مأدبا العام 1936 «في حارة العزيزات» لأسرة ميسورة فوالده سليم المصاروه، هاجر مبكراً لأميركا وبعد اغتراب «عاد وعمر بيت وشيد طاحونه واشترى ثلاث شلايا غنم وهو أول واحد طلع من حوش المصاروه».
وصف طارق مصاروه الحوش وهو نمط ملكية عائلي بقوله: «حوشنا طلع منه سبعمائة واحد، وكان مكونا من سبعة بيوت وله مدخل واحد، وكل بيت فيه بئر ماء، وأهل الحوش ممن هاجروا من الكرك لمأدبا أواخر القرن التاسع عشر».
محطات طارق مصاروه المهنية كبيرة، وخبرته الذاتية محل تقدير، ولكن علاقته بوصفي التل، ذات أهمية كبيرة، فهو يصرح بأن وصفي التل أرسلة إلى ألمانيا لدراسة دبلوم التلفزة، كان وصفي مدركا لقيمة الإعلام بشكل استثنائي، لكن ليس بوسع أي فرد ان يكون اعلاميا او كاتب مقال في ذلك الزمن الإيديولوجي.
مركزية طارق مصاروه في كونه كاتبا عابرا لعصور بناء الدولة الأردنية وصراعات القرن العشرين، لكن وعيه السياسي تشكل في دمشق، ففي العام 1947 رحلت الأسرة إليها حين قرر والده كما يقول «الزعل» لأسباب متعددة، وهناك في دمشق عمل في التجارة وسكنت الأسرة عدة مواقع في حي السادات وحي باب توما، وبعد اعدام أنطوان سعادة في تموز 1949 انضم طارق للحزب القومي السوري.
درس طارق في الشام بالمدرسة الآسية الأرثوذكسية، ونال البكالوريا السورية، ومن ثمّ درس بمدرسة للحزب القومي السوري في قرية حينا في منطقة جبل الحرمون.
لكن اغتيال العقيد عدنان المالكي في 22 ابريل 1955 سوف يطبع له مصيرا، مختلفاً، فدفعه ذلك الحدث للهرب لبيروت في حين بقي والده بدمشق، وذلك بعد توجيه تهمة الاغتيال للحزب القومي السوري الاجتماعي، وما أعقبها من صدور حملة اعتقالات انتهت بوضع آلاف من أنصار الحزب في السجون.
لاحقاً يجري اغتيال رياض الصلح في عمان العام 1951 يقول مصاروه وهو يروي أسماء المنفذين من الحزب القومي السوري ومنهم «الرفيق محمد أديب الصلاح والذي جاء عنده ميشيل الديك وهو صاحب مقهى في درعا والثالث كان عائلة حداد.. وبعد الاغتيال قتل الديك ومسك محمد أديب وحداد هرب للشام ومن الشام أرسله الحزب للبرازيل « وبرأي مصاروه كان أنطوان سعادة مؤثراً وفيلسوفاً ومقاتلا بطبيعته وكان هذا سبب تعلق الشباب به وكان موقفه من حرب النكبة مؤثراً.
بقي مصاروه في بيروت ستة أشهر، بعد الخروج من دمشق 1955، وظل على انتمائه للحزب حتى العام 1961.
العام 1958 تأسست جريدة الوطن من قبل سمير الرفاعي رئيس الحكومة وكانت غالب الجرائد اليومية بالقدس، ورأس تحرير الوطن صبحي زيد الكيلاني، وكتب مصاروه بتوقيع طارق لأول مرة على العامود الثامن في الصفحة الأولى.
تشاء الأقدار أن محمود الشريف وكان مديرا للأخبار في الإذاعة، عرض عليه الشغل براتب 40 دينارا، فيما أصر هو على 45 ليرة، وافترقا وبعد يومين جاء وصفي التل وحل «مديرا للتوجيه الوطني محل عبد المنعم الرفاعي، وطلبني وكان عمري 21 سنة وقابلته وعينني في 19/5/1959 بوظيفة معلق سياسي بالإذاعة».
تلك هي البدايات مع وصفي المتقد وعيا، والذي وجد في طارق مصاروه غايته التي يريدها، في زمن كان الأردن يحتاج فيه لشبابه الوطني المثقف والمسيس، وسنقف في مقام آخر مع محطات أخرى بين وصفي وطارق مصاروه رحمهما الله.
الدستور