مطالب المتعطلین والحلول البائسة

في بلد یستضیف اكثر من ملیون عامل وافد یقف المئات من ابناء حي الطفایلة مطالبین بفرص العمل. العشرات من الشباب الواقعة اعمارهم في العشرینیات والثلاثینیات یحملون شهادات جامعیة في الادارة والاداب والعلوم والهندسة یعتصمون للفت الانتباه الى معاناتهم.

اللغة التي یستخدمها الشباب عقلانیة ووازنة وتحتاج لمن یستمع لها جیدا. ”نحن لا نرید ان نذهب لبیع المخدرات.. ولا نرید ان نسرق او نتجه للتهریب. بإمكاننا ان نحصل 200 دینار في الیوم لكننا نرید عملا حتى نعیش بكرامة“. هذا ما یقوله الشاب الذي یوجه خطابه لضباط الدرك الذین یقفون على مقربة منهم.

”انا احمل درجة ماجستیر. انا عاتب على أبي الذي كان یمنعني من اللعب كي ادرس. لم یقل لي انك ستحتاج الى واسطة. أنا نادم على كل الاوقات واللیالي التي امضیتها في الدراسة. هذه السنة التاسعة وانا انتظر الدور. این هو الدور؟ ”لقد سئمت حكایة الصبر“، بهذه الكلمات یصرخ شاب آخر.

اعتصام ابناء الحي لم یكن الاول ولن یكون الاخیر في سلسلة الحراكات المطلبیة التي تفاقمت بعدما بدأها المتعطلون من ابناء العقبة، الذین تم وعدهم بالتشغیل في المؤسسات والشركات خلال اسبوعین من تاریخ فضهم للاعتصام. ما ان عاد ابناء العقبة الى مدینتهم حتى تقدم ابناء معان فالطفیلة فالكرك فذیبان على التوالي. وفي كل مرة یبتدع المسؤولون الحكومیون ترتیبات خاصة لاحتواء التحرك وتطویق التداعیات المحتملة للحراكات الاحتجاجیة.

الحلول التي قدمت وتقدم لمشكلة البطالة حلول تخدیریة تعكس حالة الفوضى والعجز وغیاب الرؤیا لدى القائمین على الملف الاقتصادي وبرامج التشغیل والتنمیة. في حالة العقبة استخدمت الدولة نفوذها في تكلیف الشركات والمؤسسات الربحیة والخدمیة على ایجاد شواغر لاستیعاب اعداد اضافیة من العمالة غیر المدربة دون النظر للآثار المحتملة لهذا التدخل على اداء وانتاجیة وبیئة وقیم المؤسسات التي شاركت في هذه الخطة.

النموذج الذي اتبع في التعامل مع المتعطلین من ابناء معان ما یزال غریبا ومستعصیا على الفهم، فمع كل الاحترام للشخصیات الاقتصادیة التي تعهدت بدفع الحد الأدنى من الاجور للمتعطلین ریثما یتم ایجاد فرص عمل لهم، ما یزال هناك اسئلة كثیرة عن تكلفة وآثار هذا الاجراء على المتطوعین والمستفیدین وقیم المجتمع واخلاقیات العمل الجاد المنتج الذي یحاول النظام التعلیمي بناءه ونقله للاجیال.

من بین النماذج المتعددة التي ابتدعتها العقلیة التي كلفت بإدارة الملف نموذج الطفیلة حیث اتبعت آلیة صكوك الصلحات العشائریة فقد تفجرت العبقریة الاداریة عن فكرة توقیع عقد بین المتعطلین ومدیریة العمل بحیث یكون المتعطلون طرفا في العقد ویمثلهم اثنان من النواب في حین تكون مدیریة العمل طرفا ثانیا. ویقضي العقد ان تلتزم المدیریة بتأمین المتعطلین بفرص عمل خلال المدة التي حددها العقد.

ومع انني لا اعرف تفاصیل الحلول التي اوجدت لموجات المعتصمین الأخرى إلا أن هذه النماذج تعطي صورة واضحة عن كیفیة معالجة الحكومة للمشاكل والازمات وتبین بما لا یدع للشك حالة المساواة وسیادة القانون.
مئات آلاف الشباب والصبایا العاطلین عن العمل في المدن والأریاف والبوادي الأردنیة یتساءلون عن حقهم في العمل وموقعهم من المعالجات والتدابیر التي اتخذتها الحكومة للاستجابة لاعتصامات المتعطلین.

الحلول التي ابتدعتها حكومة التكافل الاجتماعي وحكومة الاقتصاد المنتج اصبحت موضوعا للتندر على كافة المستویات فلم یسبق لأي حكومة في تاریخ الأردن والمنطقة ان لجأت لمثل هذه المعالجات لا سیما وان البطالة واسعة الانتشار والحلول ممكنة ومیسرة ولا تستدعي اكثر من جملة من القرارات.

بإمكان الحكومة ان تقلص العمالة العربیة وغیر العربیة الوافدة الى النصف في مدة لا تزید عن ستة اشهر فتتیح بذلك اكثر من نصف ملیون فرصة عمل. كما یمكن للحكومة اتخاذ قرارات حاسمة باعتبار الساعة وحدة تحدید الاجور وتشجیع طلبة الجامعات على دخول سوق العمل من خلال السماح بالعمل الجزئي بواقع 10 ساعات اسبوعیا للطالب. ثالثا استخدام آلیات القوات المسلحة وكوادرها في التأسیس لقرى زراعیة على الحدود تدار من قبل الشباب والتأسیس لاقتصاد تلعب فیه الزراعة والصناعات الزراعیة دورا مهما بالتزامن مع وقف استیراد كل ما ینتج محلیا.

الغد