زبائن كازينو لبنان
في بداية التسعينات من القرن المنصرم كنا ننتقل من بيروت الغربية الى الشرقية حيث مدينة جونيه، كانت دبابات الجيش السوري تحط على جسر البربير الفاصل بين شطري بيروت وسط أنقاض البنايات وشوارع الحرب الأهلية، وفي المعاملتين الشاطئية كنا نجلس في بهو فندق إدوارد المتواضع، فتيان يافعين نتجاذب الحديث عن مصير مستقبل لبنان بعد الحرب التي أوقفها اتفاق الطائف وقدرة رفيق الحريري وعمر كرامي، ولجوء العماد ميشال عون الى السفارة الفرنسية، وما سيؤول له حال الحكيم سمير جعجع، وعاقبة الوزير إيلي حبيقة مجرم الحرب، وتوقعات المستقبل وما سيفعله رجالات وقيادات لبنان.
يومها سألت أحد اللبنانيين عن عجز الزعامات اللبنانية في اتخاذ قرارات تنفيذية لإنهاء حالة الإشتباك وإنهاء الخصومات واستعادة القرار الوطني للبنانيين المتشظين ما بين العواصم العربية وقياداتها، فقال لي مثل بلهجته اللبنانية الساحرة: «يا خيي الزعامات والمسؤولين عنا، متل زباين كازينو لبنان، يدخلو ماشييّن على رجليهن يهزو الأرض، وبيطلعو آخر الليل مجرورين من رجليهن على الأرض» الرجل يقصد أن قبضايات الكازينو يقذفون بهم خارج المحل.
عندنا من يشبهون زبائن كازينو لبنان للأسف، يدخلون المناصب أثقل من الطواويس ويخرجون منها الى الحياة العامة أخف من القراطيس، تتقاذفهم الأهواء والهوى والخلافات والمناكفات وتصفية الحسابات، ويشغلون ماكينة صبيان الشائعات وقابضي الدريهمات وبائعي الضمائر لاختلاق قصص ليس لها وجود، ثم يبثونها بين الناس ليتشكل رأي عام مشوه، وهذا ما جعل الرأي العام الساذج طعما لتصفية الحسابات من خلال تدوير النفايات والقاذورات المعلوماتية النتنة.
أحيانا لا نأسف على حالنا، لأن هذه هي بضاعتنا، عندما يتبوأ بعض المناصب شخصيات لم تحلم يوما بأن تصل الى السنة الرابعة في الدرجة الخامسة، ثم ينشغلوا بتصفية حسابات سخيفة ضد بعضهم البعض، وخارج مصلحة الوظيفة والوطن وخدمة الشعب، فإن مصيرنا سيبقى مرهونا بتلك العقلية المتخلفة والجائعة للجاه والمال والدعاية الشخصية، حتى إذا ما قُذف بها الى مقاعد العجزة تبدأ في نسج بطولات سندبادية غير موجودة إلا في خيالها، والإفتراء على كل شخص محترم خدم خلال وظيفته بكل صدق وإخلاص واحترام بكل صمت ودون نشر خبر عن عطسة له أو تثاؤب.
هذا الانحطاط الذاتي الذي استمرأته قلة من جمهرة المسؤولين يجب أن يتوقف، فكلما جاء مسؤول تبدأ الوشايات والقصص تنسج عنه، وإذا تقاعد ذبحوه بألسنتهم، ولم يعد أحد راضيا عن غيره، بينما فقدنا خُلق حفظ أسرار الدولة، حتى بات صبيان جهلّة يبثون الحكايات لتحريض الرأي العام بهدف الإبتزاز أو التشويه، فكيف لو يمتلكون المعلومات المتواضعة التي نعرفها ولا نفشيها، إذا لقامت حرب سياسية!
عقلاء الوطن يسألون: ألم يعد لدينا رجل رشيد يخرجنا من الورطة التي ورطنا بها أشباه زبائن كازينو لبنان على رأي أخونا اللبناني؟
الرأي