شحادة يكتب: لم ولن تتوقف الاعتراضات على أحكام الشريعة في قوانين الأحوال الشخصية !

مدار الساعة ـ نشر في 2019/04/13 الساعة 11:38

بقلم: أسامة شحادة

أقر البرلمان الأردني قبل أيام قانون الأحوال الشخصية بما يوافق رأي دائرة قاضي القضاة، على خلاف رغبات وتوجهات وتوجيهات الهيئات العالمية لتعديل القانون بما يتماشى مع الرؤية النسوية المتطرفة التي تتمثل بوثيقة "سيداو" وتوابعها.

وبرغم مطالبة البعض بالتعددية وقبول الآخر والتعايش واعتماد التصويت لحل الخلافات، إلا أن إقرار القانون على غير هواهم جعلهم يصِفون الأغلبية المعارضة لهم بعرقلة عملية الإصلاح أو أنهم ذكوريون بُغضاء أو أن هذا التصويت يعتبر اعتداء على الطفولة واتكاء على الدين!

والعجيب أن كثيرا من هؤلاء الناقمين على الأغلبية هم مِن الذين يصفقون في نفس الوقت لقاتل آلاف الأطفال بالكيماوي ومغتصب آلاف النساء في الزنازين ومن تجاوب مع دعوات الإصلاح بالبراميل المتفجرة وكل ذلك بالتحالف مع العمائم المقدسة!!

عموماً ما علينا، ولننتبه لبعض الملاحظات عن السبب الذي يجعل الاعتراضات على أحكام الشريعة الإسلامية في قوانين الأحوال الشخصية في العالم العربي والإسلامي لم ولن تتوقف:

1- أن تعديل / تطويع قوانين الأحوال الشخصية ليس مقصوراً على الأردن، بل يشمل الكثير من الدول العربية كتونس والمغرب ومصر وسوريا والعراق والسودان.

2- هذه الاعتراضات والتعديلات على قوانين الأحوال الشخصية في عالمنا العربي والإسلامي ليست حديثة، بل بدأت من قبل عقد من الزمان تقريباً، فمثلا قانون الأحوال الشخصية الذي تم إقراره في البرلمان الأردني قبل أيام بدأ العمل عليه منذ حكومة سمير الرفاعي سنة 2009، وصدر القانون بشكل مؤقت في سنة 2010.

3- إن هذه الاعتراضات على الأحكام الشرعية في قوانين الأحوال الشخصية للدول العربية والإسلامية قضية مركزية وعالمية وقديمة، بدأت فكرتها في وثيقة "سيداو" التي أقرتها الجمعية العامة للأمم المتحدة سنة 1979، ودخلت حيز التنفيذ في سنة 1981.

جمعت مواد اتفاقية "سيداو" بين الحق والباطل، فهناك قضايا عادلة انتصرت فيها للمرأة كان الإسلام قد سبق بها البشرية منذ 1400 سنة، ولكنها جمعت لذلك الحق الكثير من الباطل.

كما تتميز صياغات مواد اتفاقية سيداو بالضبابية وعدم الوضوح واستخدام مصطلحات فضفاضة، وبرغم ذلك وضعت بذرة الاعتراض على أحكام الشريعة الإسلامية في قوانين الأحوال الشخصية مبكرا عبر المادة الثانية التي تقول في فقرة (و): "اتخاذ جميع التدابير المناسبة للقضاء على التمييز ضد المرأة من جانب أي شخص أو منظمة أو مؤسسة، اتخاذ جميع التدابير المناسبة، بما في ذلك التشريعي منها، لتغيير أو إبطال القائم من القوانين والأنظمة والأعراف والممارسات التي تشكل تمييزا ضد المرأة"!!

4- اتسم تمرير وتطبيق هذه الاتفاقية المشؤومة على غرار سياسة اليهود في اغتصاب فلسطين والأقصى: اعتماد عبارات فضفاضة، تنازع على الترجمة بين النصين العربي والإنجليزي، توليد مفاهيم جديدة مع الزمن، توظيف الزمن لتثبيت العدوان والطمع في المزيد.

ولذلك فإن المطالبات بتعديل القوانين تتباين من دولة إلى أخرى بحسب الواقع، ففي قانون تونس يُمنع تعدد الزوجات ويسمح بتعدد العشيقات، ويعد هذا من مظاهر التنوير والتقدم والازدهار، وفي دول أخرى تتم المطالبة بنسف كل أحكام الشريعة الإسلامية في الميراث واعتماد المساواة التامة بين الرجل والمرأة، وهو ما يضر المرأة في الحقيقة لأنها ترث أكثر من الرجل في حالات كثيرة جداً! بينما في الأردن تقتصر المطالبة حالياً على إشراك أولاد البنت في الوصية الواجبة بدعوى العدل! بينما الشريعة الإسلامية تلزم أبناء الابن بالنفقة على جدهم لأبوهم ولذلك ورّثهم، ولم يوجب هذه النفقة على أبناء البنت لجدهم لأمهم، وهذا هو العدل لو كانوا يعقلون!

5- من أمثلة المصطلحات الفضفاضة غير المحددة والتي مع توالي المؤتمرات الدولية والتقارير والتوصيات بدأت تتوضح مقاصدها الشريرة، المادة الخامسة من "سيداو" والتي تنص على أنه: "تتخذ الدول الأطراف جميع التدابير المناسبة لتحقيق ما يلي:

(أ) تعديل الأنماط الاجتماعية والثقافية لسلوك الرجل والمرأة؛ بهدف تحقيق القضاء على التحيزات والعادات العرفية وكل الممارسات الأخرى القائمة على فكرة دونية أو تفوّق أحد الجنسين، أو على أدوار نمطية للرجل والمرأة.

(ب) كفالة أن تتضمن التربية الأسرية تفهمًا سليمًا للأمومة، بوصفها وظيفة اجتماعية والاعتراف بالمسؤولية المشتركة لكلٍ من الرجال والنساء في تنشئة أطفالهم وتطورهم، على أن يكون مفهومًا أن مصلحة الأطفال هي الاعتبار الأساسي في جميع الحالات".

ويتضح من هذه المادة أن أهم أهداف اتفاقية السيداو تعديل الأنماط الاجتماعية والثقافية، وهو ما تهدف الاتفاقية إلى تغييره في المستقبل، ولكنها لا تشرح ماهية الأدوار النمطية المرفوضة؟!

ولكن سنجد الإجابة وتفاصيل هذه العموميات في نصوص ومفاهيم المؤتمرات اللاحقة كمؤتمر القاهرة 94 ومؤتر بكين 95، حيث تكرر في بيان وثيقة مؤتمر القاهرة للسكان سنة 1994 مصطلح (جندر) 51 مرة! وهو مصطلح جديد عُرف في سنة 1988 فقط، والمقصود به: نفي مفهوم الرجل والمرأة المستقر عبر التاريخ، فلا الرجل رجلاً ولا المرأة امرأة لأنهما خلقا هكذا، بل لأن التنشئة والثقافة المجتمعية هي التي أملت على كل منهما دوره، وكرّسته عبر العصور، ولا علاقة لهذا الدور بخلقة كل منهما وتركيبه البيولوجي!!!

و"الجندر" يرفض أن يكون هناك مفهوم للأب والأم مرتبط بالرجل والمرأة، بل هناك نوع وأدوار، فارتباط مفهوم الرجل بدور الزوج والأب مفهوم مرفوض بل يراد تبديله ليكون زوجة وأما أيضاً!! وكذلك المرأة لا ترتبط بدور الزوجة والأم، بل من الممكن أن تكون زوج وأبا! وأظن أنه لا حاجة للتعليق على هذا الهذيان.

6- هذا التلاعب بالمصطلحات واختراع مفاهيم جديدة مغلوطة سيكون له ما بعده، وهو دعم وتشجيع الإباحية والشذوذ! نعم؛ ستكشف المؤتمرات الدولية والتقارير والتوصيات التالية أن مصلحة الأطفال المطلوبة في مادة (5) من السيداو تشمل رعايتهم وتشجيعهم لدخول عالم الإباحية والشذوذ، لأن (الجندر) يسمح للفتاة أن تكون زوجاً وأباً والعكس.

فوثائق لجنة المرأة في الأمم المتحدة تصرّح بضرورة إعطاء الفتاة الحق في تحديد هويتها الجنسية Sexual Identity، ومن ثم تحديد ميلها أو توجهها الجنسي Sexual orientation، بمعنى أن يعطى كل الأفراد الحق في ممارسة الشذوذ الجنسي!

ويقول تقرير لجنة الخبراء الصادر عن قسم الارتقاء بالمرأة بالأمم المتحدة (DAW) لعام 2007م، تحت عنوان "القضاء على جميع أشكال العنف والتمييز ضد الطفلة الأنثى"، تحت عنوان (الفتيات السحاقيات Lesbian girls): "الفتيات تنمو وتكتشف الهوية الذاتية الجنسية وربما وجدوا توجهات جنسية تختلف عن القيم السائدة".

7- ولم تتوقف هذه المؤتمرات الدولية عن فرض رؤيتها الإباحية والشاذة عند حد الأفراد، بل قطعت شوطاً إضافيا في الضلال من خلال مطالبتها بتوسيع مفهوم الأسرة، وبالطبع على عدة مراحل حتى لا يفتضح المشروع مبكراً!
ففي مؤتمر مكسيكو سيتي 1984 قالوا: "تعترف خطة العمل العالمية للسكان والأسرة- بأشكالها المتعددة – باعتبارها الوحدة الأساسية للمجتمع، وتوصي بإعطائها حماية قانونية. والأسرة مرت- ولا تزال تمر- بتغيرات أساسية في بنيتها ووظيفتها".

ثم في وثيقة مؤتمر القاهرة 1994 دعوا إلى إزالة كل العقبات أمام العلاقات الشاذة، ففي الفصل الخامس وهو بعنوان (الأسرة وأدوارها وحقوقها وتكوينها وهيكلها) مبحث كامل بعنوان (تنوع هيكل الأسرة وتكوينها) من مواده: "وينبغي أن تتخذ الحكومات إجراءات فعالة للقضاء على جميع أشكال الإكراه والتمييز في السياسات والممارسات المتعلقة بالزواج وأشكال الاقتران الأخرى"، ونلاحظ هناك كلمة تنوع هيكل الأسرة! وهل الأسرة إلا أب وأم وأبناء؟! ولاحظ أيضاً قولهم "أشكال الاقتران الأخرى"!

ثم جاء التصريح أكثر في وثيقة مؤتمر بكين 1995 بقولهم: "توجد أشكال مختلفة للأُسر في الأنظمة الثقافية والسياسية والاجتماعية المختلفة"!!

والأشكال المختلفة للأسرة كما يريدونها تشمل: النساء والرجال الذين يعيشون معًا بلا زواج بل في زنا، والشواذ ولهم حق الإنجاب بأي طريقة عبر تأجير الأرحام والنطف أو التبني، كما تشمل النساء اللائي يأتين بالأطفال سفاحًا، أو رجال مع أطفال بدون أم.

ولذلك ستكون المراحل القادمة من الاعتراض على أحكام الشريعة في القوانين الشخصية لتقنين وشرعنة الشذوذ عند الأفراد والأسر الناتجة عنه على غرار ما وقع من بعض الكنائس في الغرب بعد تشريعه مدنياً في كثير من الدول الغربية، وضمان إعطاء هذه الأشكال الجديدة للأسرة نفس الحقوق التي يحصل عليها الأزواج في الأسر الطبيعية والتى صار يطلق عليها في الوثائق الأممية مصطلح (التقليدية أو النمطية)!

8- لم تتوقف المؤتمرات والوثائق عند اتفاقية سيداو سنة 1979، فقد أصدرت هيئة الأمم المتحدة في سنة 2015 وثيقة جديدة بعنوان "تحويل عالمنا: أجندة 2030 للتنمية المستدامة"، وجعلت الهدف الخامس للأجندة هي قضية مساواة النوع/ الجندر وإقرار الشذوذ وحقوق الشواذ، وأن المطلوب في الأجندة الجديدة "التعميم الممنهج للمنظور الجندري في تطبيق الأجندة الجديدة أمر بالغ الأهمية"، وعلى إلزامية تطبيق الأجندة الجديدة بحلول عام 2030!! وضعْ تحت كلمة "إلزامية" 20 خطاً.
وتوضح الوثيقة التحديات المطلوب تجاوزها والخطوات المطلوب تحقيقها عبر تعديل القوانين ومناهج التعليم وهي:

1- منح الشواذ القبول المجتمعي: "انخراط الأفراد في سلوك جنسي مع أفراد من نفس الجنس ما زال يعتبر جريمة في بعض البلدان، إذ يعاقب أصحاب ذلك السلوك و يُحرَمون من التمتع بالحق في الصحة وبحقوق الإنسان الأخرى".
2- إدماج الشواذ في كافة مؤسسات الدولة: "وتتعرض نساء الأقليات اللواتي يسعين إلى تولي مناصب سياسية أحيانا للتمييز على أساس أصلهن الإثني أو العرقي أو ديانتهن أو إعاقتهن أو ميلهن الجنسي و/أو سنّهن".
3- إدماج الشذوذ فى مناهج التعليم: "بحلول عام 2030، القضاء على الفوارق الجندرية في التعليم".
4- حماية منظمات الشواذ: في وثيقة (العيش بكرامة بحلول عام 2030: القضاء على الفقر) وهي أيضا واحدة من الوثائق التي أشارت إليها الوثيقة المطروحة للاعتماد كمرجعية: "يجب تأمين بيئة مواتية في ظل سيادة القانون من أجل المشاركة الحرة ... وللمجتمع المدني وللقائمين بالدعوة الذين يعبّرون عن أصوات النساء وجماعات المثليات والمثليين، ومزدوجي الميل الجنسي ومغايري الهوية الجنسانية".
الخلاصة: طالبت وثيقة سيداو بتغيير المفاهيم النمطية للأسرة ومفهوم الأب والأم والزوج والزوجة سنة 1979، ثم جاءت المواثيق والاتفاقيات في السنوات التالية لتوضح أكثر بأن الشذوذ يجب أن يكون مقبولا ومحميا! وأخيراً في سنة 2015 جاءت الأجندة الجديدة لتفرض إلزامياً مع حلول عام 2030 على جميع الدول والشعوب تغيير دساتيرها وقوانينها ومناهج التعليم لتقبل الشذوذ والإباحية!
لذلك لم ولن تتوقف الاعتراضات على الأحكام الشرعية الإسلامية في قوانين الأحوال الشخصية.

 

مدار الساعة ـ نشر في 2019/04/13 الساعة 11:38