الانتظار والجنازات
تابعوا نبأ قرار واشنطن نشر صواريخ «ثاد» المضادة للصواريخ في كوريا الجنوبية (واليابان) فهنا يبرز ذكاء سياسات الروس والصين في نوعية وحجم التدخل في انتخابات «الغرب الديمقراطي».
ففي كوريا الجنوبية تجري الآن معركة رئاسية انتخابية وموسكو تلعب فيها دورها ذاته في الانتخابات الاميركية، فنشر صواريخ «ثاد» الاميركية في كوريا واليابان يشكل خطراً أمنياً حقيقياً اعلنت عنه امس موسكو وبكين، الأمر الذي اثار لغطاً في أوساط الأحزاب الكورية واليابانية، وكلها في وضع انتخابي متماثل، وقامت شركات من البلدين لها مصالح في روسيا والصين بالتحذير من نتائج اي صدام عسكري في المنطقة.
هذه المناورة تجعل من كوريا الشمالية المحرك غير الخفي الذي يهدد باشعال النار في السياسات الدولية التي ما تزال تلعب لعبة الانتخابات الاميركية وذيولها في اوروبا، وخاصة فرنسا، وبعض دول اوروبا الشرقية التي دخلت حلف الأطلسي والوحدة الاوروبية، ولكن دون التزام جدي بالسياسات الدفاعية الاميركية الجديدة.
ان ازمة نشر صواريخ Thaad البالغة الدقة والخطورة، ترفع عن «الذكاء الاستخباري» الروسي غطاء أمد لعبة التفاهم الاميركي – الروسي على طريقة ترامب، وحجمها الحقيقي، فروسيا ترخي شعرة معاوية في جديّة التدخل الاميركي في سوريا، لكن واشنطن تستمر في العقوبات على موسكو نتيجة لما يجري في اوكرانيا.
ويبدو ان كل الصداقات التي بناها بوتين مع رجال البزنس في الحزب الجمهوري الاميركي، اصبحت جزءاً من الكلام حمّال الأوجه بين ترامب المرشح الجمهوري للانتخابات، وترامب المرغم على تحديد سياساته كرئيس للولايات المتحدة.
الآن اصبح واضحاً ان زعيم كوريا الشمالية ليس مغامراً منفرداً، وأن صواريخه البالستية التي تسقط هنا وهناك حول أهم شركاء واشنطن وراءها روسيا والصين، والظاهر ان نشر صواريخ «ثاد» المضادة للصواريخ، وللطيران العسكري المعادي، كشف العلاقة بين فيتنام الشمالية وروسيا والصين.
اوساط اميركية بدأت تكشف جزءاً من الصورة، فالادارة مهما كان الحزب او الرئيس، لها استراتيجيات دائمة، فالأجهزة العسكرية تتدخل الآن بوضوح في اليمن، وفي سوريا، وفي العراق وفي ليبيا، وهي عملياً «على الأرض» ولم تعد معلقة في الجو او في قواعد بحرية «بعيدة».!! والحرس الثوري الايراني له دور «بحري» يشابه الدور الكوري الشمالي، لكنه بدل ان يكشف جديّة المناورة الروسية-الصينية يتراجع بتحريك «الخلافات الداخلية» بين اعتدال روحاني، وتصّلب احمدي نجاد ومَن وراءه من مؤسسات الحرس الثوري والبازار!!.
ليس على الذين يتعاملون مع عقولهم في السياسة، سوى ان يمسكوا بالزمام الداخلي.. وينتظروا. ولعل الكاتب الصديق للجنرال ديغول، اقتبس مثلاً شرقياً يقول: ما عليك سوى أن تجلس أمام دارك لتشهد مرور جنازات .. أخصامك!!.
الرأي