طريقنا القويم نحو تجفيف منابع الإشاعات
مدار الساعة ـ نشر في 2019/04/07 الساعة 07:35
بقلم د. ريم محمود الرواشدة أخصائية علم النفس العلاجي
الإشاعة آفة اجتماعية وجدت منذ الأزل، ولكننا نعيشها اليوم في أقصى درجاتها، وقد يعود ذلك إلى انتشار وسائل التواصل الاجتماعي التي أصبحت إناءً لنقل الإشاعة، فتنتشر على مساحات واسعة كما تنتشر النار بالهشيم، ويرتبط أثر الإشاعة بنتائجها السلبية على الفرد والمؤسسات وحتى على المجتمع ككل، والإشاعة لا تنحصر في نقل الأخبار السلبية، بل قد تكون أخبارا إيجابية لكن من يحددها هو صدق الخبر من كذبه، فالإشاعة تنطلق من خبر كاذب يتناقله الناس حتى يصل إلى درجة الواقعية عند الكثير، فيصبح خبرا صادقا مؤكدا عند البعض، وتختلف أهداف الإشاعة وتتباين فقد تكون أهدافها تشويه صورة أحدهم، أو تلفيق بعض السلوكيات إليه، وقد يكون هدفها في بعض الأحيان تجميل صورة أحدهم، أو حتى تجميل صورة مؤسسة، فقد أضحت الإشاعة في بعض المؤسسات استراتيجية موجهة، ولها أفراد متخصصون.
وإن الإشاعة في جميع جوانبها لها انعكاسات سلبية على الفرد أو حتى على المؤسسة، فقد تهدم أسر لمجرد شائعة خرجت من أفواه كاذبة، وقد يكون الطلاق بين الزوج والزوجة محصلة لتلك الشائعة، وقد تنهار مؤسسات لمجرد معلومة مغلوطة دبرها المتنافسون، وما يزيد من خطورة الإشاعة أن الناس أخذت تتناقل الأخبار من مواقع التواصل الاجتماعي دون التحري عن مصداقيتها، ودون معرفة المصدر ودون أن يعرضها المتلقي على فكره وعلى المنطق، فهناك أخبار تتنافى مع المنطق، إلا أن المتلقي لا يفكر بتفحصها فيطلقها مرة أخرى وبذلك يكون مشتركا في انتشار شائعة دون أن يعلم، وفي هذه المحطة نلقي الضوء على الانعكاسات النفسية على المستهدف من الشائعة، فقد يتعرض أي شخص لإطلاق شائعة تعصف بمكانته الاجتماعية بين الناس، أو قد تدمر أسرته، أو قد تفقده عمله، كل ذلك يضع هذا الشخص على صفيح ملتهب من الاضطرابات النفسية التي تمارس عليه نتيجة الضغوطات التي يتعرض لها سواء من المجتمع، أو الأسرة أو مكان العمل، فتتحول حياته في بادئ الأمر إلى مدافع ومبرر ومكذب لتلك الشائعة، لكن المشكلة هنا تكون في حجم انتشار تلك الشائعة، فقد يفوق حجم الانتشار قدرة الشخص على التبرير لمن حوله، فإذا ما انتشرت إشاعة على وسائل التواصل الاجتماعي فكيف يستطيع هذا الشخص أن يبرر لكل هؤلاء الذين وصلتهم هذه الإشاعة، فتبدأ رحلة الصراع النفسي الذي يسببه الاختلال في الوضع الاجتماعي أو الأسري الذي نتج عن هذا الخبر.
إن التعامل مع هذا الشخص الذي أصبح في دائرة الإشاعة يحتاج لثقافة مجتمع وتوعية دائمة لأفراده، وهنا أجد نفسي ماثلة أمام الآية القرآنية في قوله تعالى: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ)) (سورة الحجرات: الآية6)، لو تمعنا هذه الآية لوجدنا أنفسنا أمام علاج شافٍ لظاهرة الإشاعة، فالتبين والتأكد طريق قويم لكل خبر، فإذا ما أردنا أن نقضي على ظاهرة الشائعة فإن هذه الآية تمنحنا برنامجا وقائيا فاعلا للحد من ظاهرة الإشاعة، وكما قالوا درهم وقاية خير من قنطار علاج، فالأولى هنا أن نجفف منابع الشائعات، والطريق كما رسمها رب العزة.
والسؤال هنا إذا ما انتشرت إشاعة عن شخص ما، هنا ندخل مرحلة العلاج، فلا مجال للوقاية، لأن الأمر قد حدث، هنا نسير على القاعدة القانونية (المتهم بريء حتى تثبت إدانته)، والإثبات يحتاج لقرائن، لو أن هذه الثقافة التي تجعل المتهم بريئا حتى تثبت تهمته وتحولت إلى ثقافة مجتمع ومنهج حياة، فإننا سنجد أنفسنا امام بيئة صحية سليمة، فالتحري والتأكد والتمحيص، هي طرق سابقة قبل إطلاق الأحكام، والمتمعن في الآية القرآنية السابقة يجد أن الله سبحانه وتعالى طالبنا بالتثبت والتأكد وأوجبه على تناقل الأخبار وتصديقها، وذلك نظرا للخطورة التي قد تنتج عن هذه الأخبار، والكوارث التي قد تعصف بالمجتمع.
مدار الساعة ـ نشر في 2019/04/07 الساعة 07:35