إدارة العقبة الجديدة بين النجاح والخيار الآخر
كتب أ. د. محمد الفرجات
العقبة ميناء الأردن الوحيد هي عاصمة المملكة الإقتصادية، وتحتضن صناعات ثقيلة ومتوسطة وخفيفة برأس مال يبلغ مليارات الدنانير، وتعد وجهة سياحية عالمية وفيها منشآت وخدمات سياحية كلفت المليارات كذلك، والعقبة حاضنة سكانية لما يزيد عن 150 ألف نسمة كذلك، وتعتبر مقصد سياحي وطني داخلي لكل الأردنيين.
تشغل العقبة في قطاعاتها الخاصة بأنشطتها الصناعية والسياحية والخدمية بمختلف المجالات إضافة للنقل وعمليات التصدير والإستيراد عبر الميناء، إضافة للقطاعات الحكومية عشرات آلاف المواطنين، والذين يأتون من شتى مدن وقرى المملكة، وتوصف بأنها "خليج المملكة"، مما يستدعي إستدامة وتطوير هذه القطاعات، للحفاظ على مصادر رزق الناس من ناحية، وفتح المجال لفرص عمل من ناحية أخرى.
تعد المدينة حساسة بيئيا بتربتها المنفذة والمتفككة، ومياهها الجوفية الضحلة ذات العلاقة الوثيقة مع مياه البحر، ونسبة كذلك لبيئتها البحرية الفريدة من مياه وأحياء بحرية، إضافة لحضور العنصر السكاني في وسط الأنشطة المختلفة، حيث أن العقبة محاطة بالمدن الحرفية والمناطق الصناعية والموانيء المختلفة. ومخرجات المياه المنزلية والصناعية العادمة المعالجة في المدينة، والنفايات المنزلية والصناعية الصلبة، وغازات وأبخرة وغبار عمليات التصنيع والنقل البري والبحري، والضجيج والإضاءة، والمد العمراني، كلها تشكل ضغط على العقبة وبيئتها الحساسة، وتهدد الأنظمة البيئية وإستدامتها، وتهدد الصحة العامة، كما وتهدد التنوع الحيوي البري والبحري، وهذا يدعو لخطط محكمة في مجال إدارة المصادر البيئية.
المخاطر الطبيعية من فيضانات ومضية، وحقيقة وجود العقبة على إمتداد حفرة الإنهدام والصدع التكتوني النشط، والصدوع العمودية عليه والظاهرة للعيان على صور القوقل على أسطح المراوح الفيضية شرق المدينة وفي سفوح سلسلة جبال القرانيت، يجب أن تؤخذ بعين الإعتبار كذلك، وهذا يدعو لخطط طواريء وإدارة مخاطر وكوارث محكمة وتدريب لكافة كوادر الجهات ذات العلاقة.
تشرب العقبة من مياه الديسة وهو حوض غير متجدد، ويغذي المدينة للغايات المنزلية والصناعية والسياحية والأنشطة العمرانية بعشرات الملايين من الأمتار المكعبة سنويا، في ذات الوقت الذي يغذي ذات الخزان العاصمة عمان بما يزيد عن 100 مليون متر مكعب سنويا، وهذا يهدد إستمرارية مشروع العقبة فيما إذا عانى الديسة كخزين جوفي من أية مؤشرات تملح أو نضوب أو مشاكل بالنوعية، ويدعو لخطة ب، من طراز عمليات تحلية مياه البحر.
المدينة تعتمد بشكل كبير جدا لكل أنشطتها على الطاقة الكهربائية ذات المصادر التقليدية، في الوقت الذي تشع الشمس في العقبة على مدار العام، والمواطن يئن تحت فواتير الكهرباء في الصيف الساخن جدا، بينما تهدد فاتورة الكهرباء ربحية قطاعات الصناعة والسياحة والخدمات، مما يهدد سوق العمل.
الأسواق التجارية بحاجة للإنعاش في المدينة، ويعتمد الكثيرون من سكان العقبة على التجارة كمصدر دخل، والمحال التجارية تغلق أو تفلس.
الخدمات الصحية والتعليمية، والخدمات واللوجستيات الداعمة، والبنى التحتية والشبكات المختلفة لا تقابل حقيقة أن العقبة مدينة عصرية وحاضنة سياحية وعاصمة إقتصادية، ولا تقابل الرؤية الملكية والتي جاءت لتصبح العقبة مقصدا سياحيا من الطراز العالمي الأول، جاذبا للإستثمارات بمختلف القطاعات.
النمو السكاني في المدينة يدعو للتوسع العمراني والمد السكاني، والطلب على فرص العمل بتزايد كبير، من المدينة والمدن والقرى التابعة لمحافظة العقبة، بينما الرؤى للتوسع والتطوير والجذب الإستثماري بحاجة للمراجعة.
الرئيس الجديد ما زال يقرأ الوضع، ويحسب الإيرادات السنوية، ويحسب النفقات الجارية والرأسمالية، أمام جسد وظيفي يحتاج رواتب وتأمين صحي وضمان إجتماعي، ومدينة تتوسع وتتوسع مناطق الإختصاص فيها، ونفقات الخدمات البلدية في المدينة وجوارها ومناطق الإختصاص تستهلك جزءا كبيرا من إيرادات سلطة منطقة العقبة الإقتصادية الخاصة، والإيرادات بحاجة للتنمية.
ويقرأ الخطط التنموية والمخططات الشمولية وحاجتها للتحديث لتواكب متطلبات المرحلة وتطورها، ويستمع لمجلس شركة التطوير والتحديات والفرص أمامهم، ومجلس إدارة الموانيء والتحديات والفرص أمامهم، ويستمع لموجز العمليات الجوية في مطار الملك حسين الدولي، ويستمع لمطالب المجتمع المحلي، ومؤسسات المجتمع المدني، ويقدم التقارير لحكومة مركزية فقدت البوصلة وتقرأ من خارطة مقلوبة.
الرؤية تشير إلى أن العقبة يجب أن تكون مدينة آمنة بيئيا وجاذبة للإستثمارات والسياحة، تحافظ على السكان والتنوع الحيوي، توظف أبناءها، مدينة رفيقة بالمشاة، تعكس أوجه التحضر والتقدم بنظام نقل عصري وخدمات شاملة، وبنى تحتية متينة، مدينة تحافظ على التراث بنظرة عصرية.
الأولوية الأولى للحفاظ على الموجود وإستدامته بكافة عناصره، والأولوية الثانية والأكثر إلحاحا لتأمين فرص الأجيال القادمة، وحمل جزء من العبيء عن الحكومة المركزية من توفير فرص عمل للأردنيين، ومساهمة بالنمو الإقتصادي الوطني وتوفير العملة الصعبة.
الفرصة أمام الإدارة الجديدة تكمن بوضع خطة خمسية من عدة محاور، تتضمن التحديث والتطوير والجودة وإدخال مفاهيم صناعات حديثة (نانوتكنولوجي، طباعة ثلاثية، ذكاء إصطناعي، تكنولوجيا معلومات وتواصل إجتماعي، بنك أفكار)، تتضمن الأفكار والإبتكار، تتضمن السير بالعقبة نحو العالمية.
فرصة العقبة كذلك بالشراكة مع شركة تطوير وادي عربة كبيرة جدا، وبتطوير مسارات سياحية تسهم بزيادة فترة مكوث السائح وإنفاقه في المدينة، وبتبني سبل نهضة عمرانية تنعش كل القطاعات والأسواق وتحقق مزيدا من فرص العمل.
نريد العقبة حاضنة للمؤتمرات العلمية العالمية.
نريد العقبة حاصنة للإبتكار والمعرفة.
نريد العقبة حاضنة للمعارض الصناعية العالمية.
نريد العقبة نموذجا عالميا في تبني المبدعين، ونقل أفكارهم من الفكرة المكتوبة إلى مشروع إستثماري عالمي.
نريد العقبة مقصدا سياحيا عالميا مباشرا ومرموقا ومن الطراز الأول.
نريد مضاعفة عدد سياح العقبة السنوي.
نريد أن تسهم العقبة في الناتج القومي المحلي بما يزيد عن 50%
نريد مشاركة أبناء المدينة في صناعة قرار مدينتهم.
نريد العقبة نموذجا تسير عليه المدن الأردنية.
أمام الإدارة الجديدة الكثير، والدوام اليومي من الثامنة صباحا للثالثة مساءا، بخمسة أيام أسبوعيا، جزءا كبيرا منها يذهب في حل قضايا وتحديات، ولقاءات مع الحكومة المركزية وأعضائها، والإرتباط بحكومة مهددة بالحل بين الساعة والأخرى، يكاد لا يكفي للتخطيط ومتابعة التنفيذ.