يوم الأرض
كل ساعة وكل يوم نحتفل بيوم الأرض. من يحملون الحجارة والسكاكين ويطارودن جنود الاحتلال الصهويني، هاتفين باسم الله والوطن والارض المغصوبة. كل يوم يسقط شهيد، ويزف الى السماء العلين، وكل يوم يسقط جرحى وينقلون الى المستشفيات ليحيوا مرة اخرى مقاتلين، وليكلموا مسيرة النضال الوطني مؤكدين على أن الحق لا يسترد الا بالدم والتضحية.
يوم الارض احتفال لاكمال مسيرة، واحتفال بنصر خيار النضال والمقاومة، واحتفال بالشهداء، وكل يوم أرض يستعيد الفلسطينيون والعرب روحهم بالدهشة من أعمال بطولية ينفذها شباب في عمر الورد يهزوا عرش اسرائيل واسطورة الامن الخارق والفولاذي، الشهيد عمر ابو ليلى توج العام بشهادة بروح النصر الابدي للمقاومة.
شهادة وبطولة فريدة من نوعها تقاوم ما هو مثقل من هزائم وانكسارات في الشخصية والوجد الفلسطيني والعربي، أعمال فدائية كالسحر، وهي ليس كذلك. تبدو خارقة، وقد باتت كذلك، بعدما انشغل بعض العرب في ثقافة التطبيع، والانجرار وراء فكرة العجز والتبعية والدونية والانحناء والانصياع والهزيمة المحتومة.
و تعلم بعضهم كيف يكونوا أعداءا لذواتهم، وقد اغتال سياسيو دبابات الاحتلال ما تبقى من مشاعر عروبية وقومية، وحرقوا الاوطان بمؤامرات أجنبية لتصفية الهوية الوطنية وتفكيكها بهويات فرعية وطائفية وأثنية، ومن هلوسات الشرق الاوسط الجديد.
النضال الوطني يعطي درسا قويما ولاذعا أن الديمقراطية والتحرر والرخاء لا يأتي على دبابات الاحتلال، ومصدره الحصري ليس العم سام والرجل الابيض، انما بقدرتنا على التحدي والتصدي وحماية ثرواتنا من الحرمنة الاستعمارية، والثبات على النضال من اجل استعادة الحق المسلوب والمغصوب. وهذا قدرنا لا محالة.
السماء مع المظلوم والسماء مع الحق، وهذا ما تعلمناه من التاريخ. وهؤلاء المظلومون والمقهورون، ومن حفروا باظفارهم وجودهم على الارض بعد أن فشلت كل اتفاقات السلام المزعوم. واعدوا من ارواحهم سلاحا لمقاومة العدو الغاشم، وما استطاعوا من قوة، واشتغلوا بصبر وأناة سنوات طويلة قاسية، وليحموا الأرض في مواجهة عدو يريد أن يغير وجه الارض لتصبح صهيونية.
نعم، إن السماء مع المظلوم، والمقاومة قدر تاريخي حتمي. كل يوم ارض، وكل شهيد وكل عملية فدائية ضد الاحتلال الصهيوني هي تمكين لتجاوز وعي الهزيمة وسقوط الاوهام الكبرى لاسرائيل القاهرة والقوية والجبارة، واسطورة التفوق، والتي لولا عجز أنظمة عربية لما تمكنت اسرائيل من تضليل العالم في حقيقتها المخادعة والكاذبة.
اقرأ التاريخ من واقعة بطولة الشهادة، واقرأ التاريخ من عمر أبو ليلى، هذه الدروس الأغلى والأخطر والخالدة الى يوم الدين. ومن تلك الزوايا ينبغى أن نقرأ من خلالها كل حدث وواقعة في الاقليم، لحظة المقاومة والشهادة هي الخالدة، وهي ما تشعل الارض بكل الوسائل لقلب المعادلة، ومحاصرة ومناهضة مشاريع تصفية القضية الفلسطينية من صفقة القرن وتوابعها.
الرد الوحيد على ترامب ونتنياهيو ليس الاستنكار والشجب والتنديد، إنما التضحية والدم، وهذا ما يحول من معادلة الامريكان والاسرائيليين، ويقلب الاعتقادات الايديولوجية الراسخة في عقولهم العفنة لاقامة دول اسرائيل الكبرى بحسب الرواية التوراتية واوهام السلام والتعايش والسلام المصطنع والقيم الانسانية التي لا يقوم لها مفعول في المحافل الدولية الا لاسرائيل.
اسرائيل لم تعد تجامل الصديق قبل العدو في الاقليم، بل إن سياسة ترامب ونتنياهيو أول من فضحت واحرجت الاصدقاء، ومن يسمون حلفاء اسرائيل. ونتنياهو يفاخر بانه فك عزلة اسرائيل وكسر الحصار العربي وبات لاسرائيل امتداد ووجود حسي في العالم العربي من الخليج الى المغرب العربي، واصدقاء لا يخجلون من إقامة علاقات مفتوحة مباشرة.
فلسطين كل يوم تزف شهداء، ولن تطفئ شمعتها ما دامت انفاس الابطال تحيا بالشهادة والنضال والدم.
ولن تستطيع كل مشاريع وافكار ترامب ونتنياهو ان تطمس قضية مقدسة. قضية فلسطين قضية أمة، ومهما حاولوا أن يقزموا الصورة ويخلعوها من المجال العربي، فهي تعني حضاريا وتاريخيا المستقبل العربي، بهذا يكون العرب، ومن دونها ليس ثمة عرب، وبالمعنى السياسي هي القضية الأولى، وهذا ما لايريده اقوام وحملة مباخر ديمقراطيات الاستعمار ومجاهدو السيوف الامريكية. فلا يتنكر لفلسطين غير العملاء والمرتزقة والدخلاء.