كم شيخا في الأردن؟
صالح عبدالكريم عربيات
في فرنسا، إذا تهوّر جاك و"خلع" كريستينا "كف"، فليس هناك "والله قدها"، و"عقال أبوي"، و"ضرب الحبيب زبيب". بل ستسارع كريستينا الى أقرب مكتب محاماة متخصص في العنف الأسري، وترفع قضية. وإذا "علّم الكف" على خدودها، فسيدفع جاك تعويضا أكثر من تعويض المتضررين من أحداث 11 أيلول (سبتمبر) 2001، حتى لو ذهبت "عشيرة" جاك لتطييب خاطر أهل كريستينا، وقال لهم "الشيخ فرانس" إنه مجرد "كف" ولم يضربها "كاتيوشا" لتطلب هذا التعويض الكبير. لن يجد أذانا صاغية؛ فهناك "الطمع ليس بالأجاويد شرواكم"، بل بقيمة التعويض الكبير. ولذلك، فإن الرجل هناك من السهل عليه أن يشارك بضرب "داعش" من أن يضرب زوجته؛ لأن الكف "سيقف عليه بقوشان أرض".
أما في بلادنا، فيستطيع الشيخ "جروح" إن تدخل أن يرد زوجة الى بيت زوجها، حتى لو تسبب لها الزوج بعاهة دائمة. وممكن أن تعود بشوال رز أو سكر، أو صندوق مندلينا. فالشيخ جروح المتخصص بقضايا الحَرَد، هو نصير "البوكسات" في الأردن، بحيث أن كل شخص له معرفة بالشيخ يضرب ولا يهاب!
حين قاد مايكل الأميركي السيارة مخمورا، وتسبب بحادث سير أدى إلى مقتل أحدهم، تم على الفور إلقاء القبض عليه وتحويله إلى المحكمة المختصة. بينما يستطيع الشيخ طراد استبدال عقوبة الحبس لمن قام بدعس عائلة بأكملها، وسقط أفرادها بين جريح وقتيل، بالغرامة! فالشيخ طراد لا يرد له طلب، ولا يغلو عليه مال أو ولد. وباراك أوباما خدم الأمة الأميركية 8 سنوات، ويملك صلاحيات استخدام الصواريخ النووية، لكنه لا يملك أي صلاحيات لتكفيل مايكل بعد حادث السير. ومهما غلظت الدولة القوانين التي تعاقب الدعس والاستهتار، يبقى قانون الشيخ طراد متسامحا وكريما، ويستطيع إذا "عقد شماغ الغانمين" أن ينقذك من السجن، حتى لو كان "في رقبتك" حمولة باص "كوستر"!
سوزوكي الياباني، ضرب زميله ميكا واوا "كونغ فو" فأفقده الوعي لمدة أسبوع. لكن لم يحتشد أحد من آل "واوا" الكرام للثأر، علما أن أكثر من نصفهم حائزون على الحزام الأسود. ولم يحضر أحد من عائلة سوزوكي لتطييب خاطرهم وأخذ عطوة اعتراف. فالوقت ثمين جدا، ولا يمكن أن تتوقف عجلة الانتاج من أجل أزعر. لذلك يتفرغون لأعمالهم ويتركون للسلطات التعامل مع مثل هذه المشاجرات. بينما عند قيام عقاب بـ"فتح راس" خلدون بالساطور، فإنه لم تنته عملية خلدون الجراحية وتقطيب رأسه، إلا وكان عقاب بين أهله. فالشيخ سلطان "أبوها وسماها"، وقد عفا عن عقاب كرامة للجاهة، بينما خلدون سيبقى يعاني من فقدان الذاكرة مدى الحياة، ولن يذكر حتى ما فعله عقاب!
نحترم ونجل الشيوخ الذين يترفعون عن التدخل في قضايا العنف والمشاجرات وغيرها، ويتركون أمرها لسلطة القانون. بينما نرى شيوخا "تقليد" تكاثروا وأصبح وجودهم يهدد السلم الأهلي، لفزعتهم لأصحاب السوابق والمستهترين، وأصبحت لهم مساهمة فاعلة في انتشار العنف.
فنجان القهوة لم يكن يوما عند أهل الزعامة والرجولة لتحطيم كرامة الأفراد وهيبة المؤسسات، بل كان على امتداد التاريخ حافظا للعرض والكرامة والأرض.
ليس الخوف اليوم من كم عدد خطط الإصلاح والتنمية وتعزيز الحريات التي لم تنجز للوصول إلى دولة المؤسسات والقانون؛ بل الخوف من كم "شيخ تقليد" في الأردن قد ينسفون حياتك وأحلامك ومستقبلك بـ"اشرب قهوتك"!
المصدر: الغد