دنيا متوترة يصنعها الاتصال
مدار الساعة ـ نشر في 2016/11/30 الساعة 00:24
د. عصام الموسى
يحذر الكثير من القائمين على الاعلام من مخاطر الشبكة العنكبوتية وتحديدا مواقع التواصل الاجتماعي. وينصب تحذيرهم في أغلبه حول قيام هذه المواقع ببث الشائعات وترويج قصص غير مسندة من مصادر واضحة ومحددة. وتغالي فئة منهم حد القول ان ما ينشر سيضعف الوحدة الوطنية او يثير البلبلة بين الصفوف، الخ..، ويذهبون حد المطالبة بوضع قوانين رادعة كالعادة.
ما يتناساه هؤلاء عموما اننا نعيش في عصر اتصالي مختلف عما سبقه. ان شروط العيش في عصر الاتصال الرقمي - او في عصر الرقمنة، (ان وافق على الاشتقاق مجمع اللغة العربية) - يفرض واقعا مغايرا لعصر الاتصال الالكتروني الذي سبق. في عصر الاتصال السابق، وهو عصر الاتصال الالكتروني ولد الراديو ثم التلفاز كأبرز وسيلتي اتصال جماهيري. ومن خصائص الراديو القديم ان جميع افراد الأسرة كانوا يتعرضون له ويسمعون برامجه. وكذلك التلفاز التقليدي كان يجمع افراد الأسرة يتحلقون حوله لمشاهدة برنامج درامي او مسلسل او حتى نشرة الأخبار. كانت (مضافة ابو محمود) من راديو عمان تجمع افراد الأسرة جميعا ينتظرونها كل مساء ويطربون مع عبده موسى وهو يغني على ربابته «يا عنيد يا يابا». ومثل ذلك مسلسل ابو عواد على التلفاز الأردني. كانت وسائل الإعلام الالكترونية التقليدية «تلم» افراد الأسرة فيلتفون حولها، واحيانا تجمع الجيران الذين لا يمتلكون هذه الأجهزة، فتعمق الصداقة وتخلق اجواء من الود تتعمق أكثر مع «كاسة» الشاي المحلى تدار على الحضور في أجواء من الحبور والسرور والكرم والطيبة الأردنية.
لكن في زمن الرقمنة تغيرت الصورة: عملت وسائل الإعلام الرقمية على «تفتيت» الجمهور المتلقي. لم تعد الأسرة تتوافق على متابعة برنامج او مسلسل واحد: تعددت القنوات، فهذا يتابع المسلسل التركي، وآخر يتابع باب الحارة السوري، وثالث يبحث عن عادل إمام، ورابع لا تعجبه الا الأفلام الغربية، الخ. وصار المنزل يضم أكثر من جهاز استقبال تلفازي، وينصرف كل فرد من افراد الأسرة لمتابعة اهتماماته على جهازه الخاص: الهاتف الذكي، او الكمبيوتر المرتبط مع شبكة الانترنت، وعليها يستطيع ان يستقبل رسائل «مغايرة» عبر الواتساب او اليوتيوب لما يتعرض له الآخرون. وبهذا صار لكل فرد عالمه الاتصالي الخاص به.
في هذا المناخ الاتصالي الجديد الرقمي، يبحر المرء عبر الشبكة ويتعرض لأفكار جديدة مغايرة لما نشأ عليها افراد الرعيل الذي سبق. وبمقدار ما تعب الآباء والأجداد في تناول «الحصرم» لرفد الحاضر وبنائه، نجد الأبناء «يضرسون» لكنهم «يتلمظون». ولأن التقانة الجديدة تتيح الفرصة للرد الفوري، تراهم يشمرون عن ساعد الجهل ويخطون كلاما متمردا فيه خروج على المألوف.. ويظن الجميع ان هذا الخروج عن المألوف عصيان واشاعات مغرضة، فيرفعون الصوت ينعون على هؤلاء «جرأتهم» بل «وقاحتهم» ربما. لكن في واقع الأمر فان الأمر لا يعدو ان يكون صرخات تعبر عن الروح المضطربة في نفوسهم، تجد مخارج لها تحت اسماء مستعارة لأنهم لا يستطيعون ان يصارحوا علانية ما يشعرون به، خاصة وان قوانين المطبوعات وعين الرقيب باسم القيم تعاقب كل من يخرج عن النص.
ما يجب ان يدركه الجميع، القائمون على الإعلام ومنافذه، ان العالم تغير، وان قنوات الاتصال الرقمية لا يسهل لجمها، وان انساننا العربي يعيش وضعا انتقاليا، وان ما يقال عبر وسائل الاتصال الاجتماعي ليس الا تعابير عن مشاعر يفضل ان تدرس وان تناقش علانية، وان لا تقمع، وإلا سار القطار الذي لا يتوقف..قطار العولمة. المصدر: الرأي
ما يتناساه هؤلاء عموما اننا نعيش في عصر اتصالي مختلف عما سبقه. ان شروط العيش في عصر الاتصال الرقمي - او في عصر الرقمنة، (ان وافق على الاشتقاق مجمع اللغة العربية) - يفرض واقعا مغايرا لعصر الاتصال الالكتروني الذي سبق. في عصر الاتصال السابق، وهو عصر الاتصال الالكتروني ولد الراديو ثم التلفاز كأبرز وسيلتي اتصال جماهيري. ومن خصائص الراديو القديم ان جميع افراد الأسرة كانوا يتعرضون له ويسمعون برامجه. وكذلك التلفاز التقليدي كان يجمع افراد الأسرة يتحلقون حوله لمشاهدة برنامج درامي او مسلسل او حتى نشرة الأخبار. كانت (مضافة ابو محمود) من راديو عمان تجمع افراد الأسرة جميعا ينتظرونها كل مساء ويطربون مع عبده موسى وهو يغني على ربابته «يا عنيد يا يابا». ومثل ذلك مسلسل ابو عواد على التلفاز الأردني. كانت وسائل الإعلام الالكترونية التقليدية «تلم» افراد الأسرة فيلتفون حولها، واحيانا تجمع الجيران الذين لا يمتلكون هذه الأجهزة، فتعمق الصداقة وتخلق اجواء من الود تتعمق أكثر مع «كاسة» الشاي المحلى تدار على الحضور في أجواء من الحبور والسرور والكرم والطيبة الأردنية.
لكن في زمن الرقمنة تغيرت الصورة: عملت وسائل الإعلام الرقمية على «تفتيت» الجمهور المتلقي. لم تعد الأسرة تتوافق على متابعة برنامج او مسلسل واحد: تعددت القنوات، فهذا يتابع المسلسل التركي، وآخر يتابع باب الحارة السوري، وثالث يبحث عن عادل إمام، ورابع لا تعجبه الا الأفلام الغربية، الخ. وصار المنزل يضم أكثر من جهاز استقبال تلفازي، وينصرف كل فرد من افراد الأسرة لمتابعة اهتماماته على جهازه الخاص: الهاتف الذكي، او الكمبيوتر المرتبط مع شبكة الانترنت، وعليها يستطيع ان يستقبل رسائل «مغايرة» عبر الواتساب او اليوتيوب لما يتعرض له الآخرون. وبهذا صار لكل فرد عالمه الاتصالي الخاص به.
في هذا المناخ الاتصالي الجديد الرقمي، يبحر المرء عبر الشبكة ويتعرض لأفكار جديدة مغايرة لما نشأ عليها افراد الرعيل الذي سبق. وبمقدار ما تعب الآباء والأجداد في تناول «الحصرم» لرفد الحاضر وبنائه، نجد الأبناء «يضرسون» لكنهم «يتلمظون». ولأن التقانة الجديدة تتيح الفرصة للرد الفوري، تراهم يشمرون عن ساعد الجهل ويخطون كلاما متمردا فيه خروج على المألوف.. ويظن الجميع ان هذا الخروج عن المألوف عصيان واشاعات مغرضة، فيرفعون الصوت ينعون على هؤلاء «جرأتهم» بل «وقاحتهم» ربما. لكن في واقع الأمر فان الأمر لا يعدو ان يكون صرخات تعبر عن الروح المضطربة في نفوسهم، تجد مخارج لها تحت اسماء مستعارة لأنهم لا يستطيعون ان يصارحوا علانية ما يشعرون به، خاصة وان قوانين المطبوعات وعين الرقيب باسم القيم تعاقب كل من يخرج عن النص.
ما يجب ان يدركه الجميع، القائمون على الإعلام ومنافذه، ان العالم تغير، وان قنوات الاتصال الرقمية لا يسهل لجمها، وان انساننا العربي يعيش وضعا انتقاليا، وان ما يقال عبر وسائل الاتصال الاجتماعي ليس الا تعابير عن مشاعر يفضل ان تدرس وان تناقش علانية، وان لا تقمع، وإلا سار القطار الذي لا يتوقف..قطار العولمة. المصدر: الرأي
مدار الساعة ـ نشر في 2016/11/30 الساعة 00:24