الفقيدة داعش وأمها القاعدة...!!

مدار الساعة ـ نشر في 2017/03/06 الساعة 00:44
في غمرة التكهنات عن نهاية داعش بعد انحسار نفوذها وتمددها في سوريا والعراق، وعن اقتراب تحطيم نموذجها المتوحش، يبدو السؤال عما بعد داعش مطروحاً ومشروعاً ايضاً.

لا يمكن التسليم –طبعاً- بهذه الافتراضات، فداعش ليست تنظيماً عسكرياً يمكن هزيمته بالحرب وبالتالي القضاء عليه نهائياً، كما انه ليس دولة حقيقية، يمكن اخضاعها بالتدابير والقوانين التي تسري على دول العالم، داعش ايديولوجيا متحولة ومتجذرة ايضاً، تعتاش على رصيد عميق من التراث المغشوش، وتغذيها ظروف موضوعية ذاتية وخارجية، وتحضنها بيئات مجروحة فقدت الامل بالتغيير، وتعرضت لأسوأ أنواع الظلم والتهميش، وشهدت صراعات دامية على تخوم الهوية التي أصبحت قاتلة.

لكن لنفترض –جدلاً- ان داعش الدولة “المتخلية” انزوت وتلاشت وان داعش التنظيم انحسر وانهزم، وان “الداعشيين” اختفوا بين هارب وعائد لبلاده وبين “متخف” في المناطق التي يعيش فيها، فهل يمكن ان نتوقع ان الخطر انتهى وان الحرب ضد الإرهاب وضعت اوزارها؟

الإجابة يمكن استدعاؤها من الماضي ومن الحاضر ايضاً، فقد شهدنا في العراق مثلاً بدايات داعش مع الزرقاوي الذي واجهته الصحوات ثم اختفى ليظهر مع البغدادي لاحقاً، كما شهدنا طالبان التي هزمت بعد احداث سبتمبر 2001 ثم استعادت جزءاً من قدرتها الآن، كما اننا نشهد الآن عودة “القاعدة” التي كادت تتلاشى مع اغتيال بن لادن، فقد أعلنت قبل أيام أربعة تنظيمات في شمال مالي اندماجها في تنظيم واحد(اسمه نصرة الإسلام والمسلمين) ثم أعلنت مبايعتها لأيمن الظواهري زعيم القاعدة، مما يعني ان النسخة الأم التي خرجت منها داعش عادت مرّة أخرى، وربما تكون اشرس مما مضى.

التنظيمات الإرهابية –اذن- تعيد “تكرير” نفسها وتتكيف مع الواقع الذي تجده، ثم تحاول ان تجدد سرديتها الإعلامية لتكسب جاذبية تتيح لها ان تستقطب المزيد من الاتباع، ومن المفارقات ان تكون قدرة هذه التنظيمات على “التحول” والتكيف أكبر من قدرة الدول، ليس فقط لأنها كسرت حدود الجغرافيا والديموغرافيا، وانما لأنها –ايضاً- تملك إمكانية “التحوصل” وربما الذوبان والتكون كما تفعل بعض الكائنات الحية كالحرباء مثلا.

مهما اختلفنا على طبيعة “المصادر” التي خرجت منها التنظيمات المتطرفة والارهابية، وسواء أكان الإرهاب “صناعة” معتمدة لها دمغة دولية او ولادة طبيعية لها ظروف محلية معروفة، او أكان “مزيجاً” من الوصفتين، فإن هذه الظاهرة تشكل الآن أكبر خطر يهدد دولنا ومجتمعاتنا، ناهيك عن العالم ايضاً.

خطر هذه “الظاهرة” انها تؤسس لجملة من “الأوهام” التي تتحول في الغالب الى حقائق ومخارج لدى فئات الشباب في مجتمعاتنا التي تبحث عن “البديل” والخلاص، مهما كان، وما دام ان احساسها بالغبن واليأس يزداد ويتراكم فإنها ستظل تبحت عن “مراكب جديدة” سواءً أكانت من تلك التي تقدمتها داعش او القاعدة او غيرها من التنظيمات التي لا ترى وسيلة “للتغيير” الّا من خلال المزيد من القتل والتوحش.

لمواجهة هذه الظاهرة، لا يمكن التفكير فقط بإشهار نسخة من “الاسلام” المعتدل التي تتكفل بالرد على “الخرافات” الدينية التي تستند اليها هذه التنظيمات، كما لا يمكن الحديث عن مصالحات تاريخية داخل الملّة الواحدة او الاطار الحضاري للأمة الواحدة، وانما لابد من اصلاح الظروف التي انتجت هذه الظاهرة، سواءً أكانت داخل عالمنا العربي الذي يعاني من التخلف ، او اصلاح علاقاتنا مع العالم التي تعاني من الإحساس بالظلم والدونية والاهانة، كما لابد أن يقتنع العالم الذي أصبح في مرمى نيران هذه التنظيمات أنه جزء من المشكلة، وان تجاوزه لها يعتمد على إعادة النظر في رؤيته ومواقفه لهذه المنطقة، بكل ما فيها من اديان وسكان وقضايا وأزمات.

إذا لم يحدث ذلك فإن “الدواعش” التي نراهن على أفولها او إضعافها، ستسلم الراية من جديد الى “أمها” القاعدة، او انها ستلد “عفاريت” جديدة، ربما نراها او لا نراها، لكننا بالتأكيد سنعاني من خبطاتها وضرباتها، وسنظل ندفع ثمن مفاجآتها لنا في كل مكان.

الدستور
  • قوانين
  • مال
  • إسلام
  • يعني
  • لب
  • شباب
  • الدين
  • عرب
مدار الساعة ـ نشر في 2017/03/06 الساعة 00:44