الناصر يكتب: الجولان المحتل.. الأهمیة الهیدروسیاسیة في ظل القرار الأمریكي الأخیر
مدار الساعة - بقلم: الدكتور حازم الناصر *
بعيدا عن الأهمية الجيواستراتيجية والعسكرية والأمنية لهضبة الجولان السورية هنالك ابعاد أخرى واهمية مائية كبيرة لها سنعرض بعضاً منها في هذه المقالة وخاصة الأهمية المائية لمرتفعات الجولان المحتلة.
تمتاز هضبة الجولان بغزارة أمطارها خاصة في فصل الشتاء، وتتزايد هذه الأمطار مع تزايد الارتفاعات في الجولان باتجاه الشرق والشمال وتمتد فتره سقوط المطر من شهر أيلول إلى أيار وتصل نسبة الهطول المطري في القنيطرة الى حوالي ٩٠٠ -١٠٠٠ ملم في العام وهي الأعلى بعد جبل الشيخ.
ويعتبر جبل الشيخ والمعروف أيضا بجبل "حرمون"، وهو يشكل أكبر خزان للمياه في المنطقة، وتتفجر من سفوحه وأوديته الينابيع التالية: الحاصباني، الوزاني، الجوز، المغارة في شبعا، السريد قرب الماري، بالإضافة إلى ينابيع صغيرة أو موسمية في لبنان، والبانياس، وبيت جن، والسعار في سوريا، واللدان في فلسطين. ومن المصادر المائية الهامة في الجولان المحتل بحيرة مسعدة وتقع بحيرة مسعدة إلى الجانب الشـرقي بالقرب من قرية مسعدة في شمال الجولان، ويفصلها عن جبل الشيخ مرج اليعفوري، وهي بحيرة متشكلة في فوهة بركان خامد، وتبلغ مساحتها حوالي 1 كم مربع، وقامت إسرائيل باستخدامها كخزان كبير للمياه، حيث حولت إليها مياه نهر “صعار" المجاور، ومياه سيل أبو سعيد في فصل الشتاء، وأقامت في جانبها الجنوبي محطة ضخ، تغذي شبكه من الأنابيب لتوزيع واستخدام هذه المياه لأغراض الصناعة والري. وتقدر مصادر المياه من الجولان المحتل التي تغذي حوض نهر الأردن باتجاه الغرب والتي تستفيد منها اسرائيل بحوالي ١٢٠مليون متر مكعب سنوياً.
بعد حرب عام ١٩٦٧ وكنتيجة لها، قامت إسرائيل باحتلال ما مساحته ١٢٥٠ كم٢ من الأراضي السورية والتي يشكل الجزء الغربي الجنوبي منها الحوض الصباب لنهر الأردن وبحيرة طبريا وتضم المساحة سابقة الذكر مرتفعات الجولان وقرية القنيطرة، الا انه وبعد حرب أكتوبر ١٩٧٣ تم إعادة قرية القنيطرة الى الجانب السوري من خلال اتفاق فك الاشتباك لعام ١٩٧٤ والذي معه تقلصت المساحة المحتلة من قبل الجانب الإسرائيلي الى حوالي ١١٥٠ كم٢. وكنتيجة أخرى مباشرة لحرب عام ١٩٦٧ قام الجانب الإسرائيلي باحتلال منطقة الحمة السورية الواقعة على نهر اليرموك والتي هي اصلاً أراضاً فلسطينية أصبحت تحت السيطرة السورية بعد عام ١٩٤٨ بموجب اتفاق خط الهدنة او وقف إطلاق النار بين الجيش العربي السوري والقوات الإسرائيلية المحتلة لهذه المنطقة الهامة مائياً. وعندها تمكن الجانب الإسرائيلي من الوصول لنهر اليرموك ليقاسم الأردن مياه اهم مصادره المائية. وتعتبر السيطرة الاسرائيلية على مصادر المياه والينابيع في الجولان المحتل والوصول الى مياه نهر اليرموك احدى اهم النتائج الكارثية المائية لحرب عام ١٩٦٧، طبعا بالإضافة الى الخسائر الأخرى الأهم وعلى رائسها احتلال الضفة الغربية والقدس والمقدسات الإسلامية والمسيحية.
وعودة الى موضوع المياه فان ما حققه الجانب الإسرائيلي بعد حرب عام ١٩٦٧ هو السيطرة الكاملة على منابع نهر الأردن والينابيع المغذية لبحرية طبريا، الوصول لمياه نهر اليرموك وأخيرا أصبح بمقدور المستوطنات المنوي بنائها بالجولان المحتل التحكم الكامل بمصادرها المائية والتزويد المائي لها. بالإضافة الى انه (أي الإسرائيليين) منع الجانب السوري من الوصول لبحيرة طبريا وحرمها من استخدام أي من روافد نهر الأردن. ومن الأسباب الأخرى لتمسك الجانب الإسرائيلي بالسيطرة التامة على مصادر المياه بالجولان المحتل هو التخوف من تلوث مياه بحيرة طبريا وهي احدى اهم مصادر التزويد المائي في حال ان كانت هذه المرتفعات تحت السيطرة السورية.
ولعل الموقف الإسرائيلي المتعنت بان تبقى مصادر المياه التي تم السيطرة عليها بعد عام ١٩٦٧في يد الإسرائيليين هو احدى أسباب فشل المفاوضات الإسرائيلية السورية بعد مؤتمر مدريد عام ١٩٩١.
ان حرمان سوريا من مياه الجولان على مدار الخمسين عاما الماضية أدى الى تفاقم الوضع المائي خاصة بالجنوب السوري ولم تعد المصادر المائية تكفي الاستعمالات المختلفة وخاصة الزراعية منها في ظل عدم استعمال تقنيات الري الحديثة لتوفير المياه.
اما بالنسبة للأردن فتعتبر مرتفعات الجولان احدى الروافد الرئيسية لنهر اليرموك حيث ان وادي الرقاد الذي ينبع من مرتفعات الجولان ويصب في أسفل نهر اليرموك (موقع سد خالد) هو من اهم هذه الروافد بعد ان قام الجانب السوري ببناء ما يزيد على خمسين سد كبير وصغير مخالفا الاتفاق الثنائي الموقع عام ١٩٨٧ والذي سمح ببناء ٢٤ سد فقط وبالتالي تقليل كمية الجريان باتجاه الاردن. الا ان الجانب الإسرائيلي خالف أيضا الاتفاق الموقع مع الأردن عام ١٩٩٤ وقام ببناء سدين بسعة ٢٠ مليون متر مكعب لحجز المزيد من المياه الواردة الى نهر اليرموك وبالتالي المزيد من المعاناة المائية الأردنية في ظل شح الموارد وتدفق اللاجئين واخرها لجوء حوالي مليون ونصف المليون لاجئ من سوريا بعد عام ٢٠١١.
واخيراً فان المياه في منطقة حوض الأردن بشكل عام سوف تظل موضوعا للسياسة حاضرا ومستقبلا وهي الحاضر الدائم في محادثات دول حوض نهر الأردن، الا انه وبغض النظر عن القرارات السياسية فان هنالك دول ومواطنون لهم حقوق في هذه المياه ولا يجوز باي شكل من الاشكال تجاهل حقوقهم السيادية واية اضرار ستلحق بهم مستقبلاً وبغض النظر عن اية قرارات تبقى هذه المياه مياه محتلة بموجب قرارات هيئة الأمم المتحدة والأعراف الدولية واخرها قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم ٤٩٧ لسنة ١٩٨١.
* رئيس ومؤسس منتدى الشرق الاوسط للمياه
وزير المياه والري السابق/ الأردن
وزير الزراعة السابق/ الأردن
عضو مجلس النواب الأردني سابقا