هنا الأردن كما كتبها الدكتور رجائي حرب
الدكتور رجائي حرب
هنا الأردن ...
هنا عمان ....
هنا الشعب المرابط ...
هنا الهاشمي الجسور ...
هنا البوصلة المتجة دوماً إلى فلسطين ...
هنا الوطن الذي يعشق القدس ...
ويكتب بدم الشهداء على أسوارها ملحمة القضاء على الصلف الاسرائيلي في ترنيمة آخر الزمان
هنا بوابة الفتح القادم وتحرير الأرض وغوث الانسان
هنا المواقف التي لا تساوم
وهنا الشعب الذي تظهر شهامته وسط الصعاب وما بين الحراب
وهنا الانسان الذي يعبق عزاً ... ويفوح رجولةً ...
عندما يصمم في كل صباح على تدوين مواقف الرجال بخيوط الشمس المذهَّبة على مفاصل التاريخ
واليوم يؤكد الأردن بقيادته من جديد على موقف الصمود تجاه قضية القدس، التي تملأ قلوب جميع الأردنيين؛ وأن هذه الخطوة المقدرة لجلالته بإلغاء زيارته لرومانيا رداً على قرار رئيسة وزرائها بنقل سفارتها إلى القدس خلال زيارتها للولايات المتحدة الأمريكية، هي خطوةٌ تؤكد ثبات الموقف الأردني حيال القضية الفلسطينية، رغم كل الضغوط الكبيرة على الاْردن، وعلى جلالته بالذات، ورغم ما يقف خلف تلك الاجراءات التعسفية من تسويق لوهم الوطن البديل
ويجعلنا جميعاً كأردنيين شرفاء في مدننا وقرانا ومخيماتنا وبوادينا؛ وكجنودٍ مرابطين على حمى الأمة العربية - التي خانها جُل أبنائها - لنرفض بالكامل كافة الضغوطات والإغراءات الخبيثة للنيل من حبة فؤادنا القدس ومن عروبة فلسطين
ورغم الغصة التي في حلوقنا على ثرى هذا الوطن المكلوم عندما نشاهد جلالة الملك عبد الله وحيداً في معركة الدفاع عن المباديء التي تربينا عليها، وأخذناها من معين ثوابتنا الاسلامية والعربية والأردنية؛ ومتحدياً صلف الباطل الذي بلغ الزُبى، ومدافعاً عن القدس التي بقيت كحُرةٍ شريفةٍ على مآدب اللئام؛ إلَّا أننا سنبقى منحازين لفلسطين وللقدس التي تُكتبُ على أرضها صفحاتُ المجدِ ويسْطُرُ التاريخ روايةَ الشرفِ التي كشفتْ طهارة الشرفاء ونجاسة العملاء
وعلى طول الزمن ومنذ سبعين عاماً ما زالت القدس عاصمة السماء الأولى على الأرض حاضرةَ كل الحواضر العالمية، وكاشفةً لسوءة العالم المنحاز للظلم على حساب العدالة، وللقوة على حساب الحق، ما زالت قابضة على جمر الانتظار، وما زالت تنتظر أمتنا المنغمسة في التيه منذ سبعين عاماً،
عشنا في الأردن ونفتخر أننا جيران فلسطين، وأننا مضمدو جراحاتها، وأننا الصدر الحنون الذي يحتويها في كل نكباتها، وكانت النسمات القادمة من فوق البحر تحمل لنا عبق ليمونها وبرتقالها، وبوح أبطالها، وصهيل خيولها، التي تذكرنا بفتوحاتها، وصلابة أسوار عكا التي ما هدها موج البحر ولا غدر الغازين لها، وذكريات الإسراء النبوي العظيمة، وتكبيرة الإحرام لكل الإنبياء الذين صلوا خلف نبيّنا الهاشمي محمد صلى الله عليه وسلم قبل معراجه إلى السموات العلا، فسعيْنا بكل صدقٍ لنيل شرف اختلاط الدم الفلسطيني بالدم الأردني؛ اختلاط الأخوة والمصاهرة والشراكة الأبدية، حتى رسم الشعبان معاً طريق الشرف حتى النهاية
لقد كانت الوصاية الهاشمية وما زلت وستبقى إكليلاً يُزيْنُ رؤوس كل الأردنيين، وحملنا شرف الجوار وشرف الدفاع عن المقدسات، وحملنا تبعات مؤامرات بعض العرب ضد القضية الفلسطينية، وطالتنا طعناتهم في الظهر-وما أقسى طعنة الأخ لأنها تصيب مقتل- وكنا نُواصل الطريق، صامتين، مرابطين، صابرين على كل الضيم، حتى وصل الشر وامتدت يد الغدر تحاول أن تقطع منا الوريد، وتسلب وصايتنا التي حملناها وملوكنا جيلاً بعد جيل، وكنا نعضُّ عليها بالنواجذ، ونحميها بأهداب عيوننا التي كانت ترحل إلى فلسطين كل يوم، وانكشف أسلوب التآمر ضدنا، وقيمة الأموال التي تم دفعها كرشاوي لتجويعنا وتركيعنا ولتصبح بعدها القدسُ عاريةً وفي مهب الريح يضعها المغتصب الجديد على طبقٍ من ذهب تلتهمها الذئاب المشردة التي لن ترْقُبَ بعدها فينا إلاً ولا ذمة،
وصايتنا الهاشمية تغيضهم لأنها تنبع من وسطية الإسلام الممتدة لآل البيت الأطهار. آل البيت الذين ترفعوا عن إهراق دم الإنسان من مبدأ احترامه وقدسيته، وتجنبوا الدعوات الدائمة لزرع الفتنة بين الأخوة العرب لحرمة ذلك وعظمته عند الله، وعندما نأت عمان بنفسها عن الانغماس بالتجييش الطائفي والعبث المذهبي، انطلاقاً من وسطيتنا، ولأن الموقف سلاح فلم نرضخ للضغوط ولم نقبل بالقدسِ عاصمةً لدولة إسرائيل، ونعلن في كل يومٍ أن القدس أرض محتلة، وأن كل أراضيها هي أراضِ وقف إسلامي، ومُلك ذري لكل مسلم على وجه الأرض، ونتشرف بالأردن بحملها من مبدأ التكليف الإسلامي والتشريف للدم النبوي الذي يسري بإجساد السلالة الهاشمية إلى يوم الدين شاء من شاء وأبى مَنْ أبى، وبشهادة غير العرب الذين انحازوا لتثبيت الوصاية بيد عميد آل هاشم وتسميته بحامي المقدسات، إجلالاً وتقديراً لشخصه الكريم في قمة اسطنبول الإسلامية، بعدما حاول بعض مَنْ نسميهم إخوة ثني جلالته عن حضور القمة لكنه أبى إلا أن يكون هناك.
وأهيب بكل إخوتي الأردنيين أن نلتف حول قيادتنا الهاشمية في هذا الوقت بالذات؛ وفي هذه الظروف المليئة برائحة العفن والخيانة والتآمر؛ وأن ندافع عن وصايتنا الهاشمية على المقدسات والتي يحاول البعض سلبها، حسداً من عند أنفسهم، رغم علمهم أنها بائنةٌ لنا بينونةً كبرى، وستبقى في عهدتنا حتى يرث الله الأرض ومَنْ عليها، وأن نتحمل المؤامرة الاقتصادية التي نعاني منها والتي فرضوها كي نركع، وزرعوا رجالهم المثبطين والخونة وعُشَّاق الشيكات بيننا لتنفيذها، وأن نقف في وجه المؤامرة السياسية التي ترهق كاهلنا ويحاصرونا بها، وأن نقف في وجه المؤامرة الاجتماعية التي تحاول زرع الفتنة بين ظهرانينا، وتبث الرعب بين أبناء شعبنا عندما تزرع الإشاعات الكاذبة بقرب نهايتنا، ولا يعلمون أنها نهايتهم، وبداية انطلاقنا أمام العالم الذي آمن بدعمنا للعدالة وحق الإنسان في العيش والحكمة الكامنة في كل قراراتنا
دعونا نتنفس المجد والأمل بالنجاة والتحرر
من التقصير أمام أنفسنا وأمام الجميع
وسط هذا الاعتداء الرهيب على وجودنا،
دعونا نفكر بعزة أنفسنا؛
دعونا نبعد عن أفكارنا إرجافات المرجفين وتهويلاتهم؛
ونقول لهم أنها لا تخيفنا
ودعونا نمتلك العزة والقوة
بأن الله سبحانه هو مصدر ثقتنا وأن النصر بيده وحده،
وأن ليل الظلم لا بد وأن ينجلي
وأن لا بد للحق أن ينتصر
وما النصر إلا صبر ساعة
وقد اقترب وهو يلوح في الأفق القريب إن شاء الله
فدعونا نرفض كل مؤامراتهم
ودعونا نقفز فوق جراحاتنا ونتوحد بجميع مكوناتنا الحكومية والشعبية
لبناء موقفٍ موحدٍ داخلياً وخارجياً تجاه التحديات وإرهاصات صفقة القرن التي تحاك في الخفاء لتغيير وجه المنطقة كاملاً.
ودعونا نتحمل مسؤولياتنا تجاه قضية وجودنا واستمرارنا – فمن هالساح ما فيه رواح –
وهنا نقدم التحية لمواقف جلالة الملك عبدالله في هذا الزمن الصعب؛ وتحيةً لشعبنا الذي يرفض الضيم والخضوع؛ وتحيةً لهذا الوطن الذي ما زال يحمل بندقيةً بيد، وغصن زيتون باليد الأخرى حتى ينجلى غبار الظلم وتنقشع الغُمة عن مستقبلنا وعندها سيعلم الذين ظلموا أي منقلبٍ ينقلبون.