الجولان إسرائيلية.. ماذا بعد؟

مدار الساعة ـ نشر في 2019/03/27 الساعة 01:05
مر أكثر من يومين على إعلان الرئيس الامريكي ترامب ضم الجولان السوري المحتل الى «دولة اسرائيل». بل شك أن القرار حمل أبعادا واسعة سواء محليا أو اقليميا، وقد جاء القرار لتلبية مطامع اسرائيل التاريخية والاستراتيجية، وكان مر أيضا بعد خروج سورية من حربها الاهلية التي امتدت لـ8 اعوام دون سقوط النظام ولا المساس في وحدتها الجغرافية والوطنية، ووصولا إلى ما يمكن أن يكون جزاء مما يسمى صفقة القرن وتوابعها، وما تعني أن اسرائيل ليس كيانا محتلا، وتحويلها الى كيان طبيعي ضمن خارطة الاقليم بارادة أمريكية ترامبية. وفي المقابل لا يمكن عزله عن ابعاد السياسة الداخلية الاسرائيلية والامريكية، من حيث الدعم الامريكي اللامحدود لنتنياهو في الانتخابات الاسرائيلية، وقد جاء القرار بعد أن حصل الرئيس ترامب على صك براءة من تهمة التدخل الروسي في الانتخابات اللامريكية، والتي بقيت اشباحها تطارد ترامب في سياسته الداخلية والخارجية، وفي القرار الترامبي أيضا بعض من رد الجميل للوبي الصهيوني في أمريكا ودعمه المفرط لترامب. القرار الامريكي يعني بالمحصلة لاحتلال عمره اكثر من 50 عاما، وعملية سلام عمرها 30 عاما ومحطات تسوية توالت على القضية الفلسطينية والصراع العربي الاسرائيلي أن مكانة اسرائيل الاستراتيجية قوية وثابتة وراسخة في الاقليم. ومن زاوية أن اسرائيل أكبر وأقوى من اتفاقيات السلام بكل وجوهها من كامب ديفيد الى اوسلوا ووادي عربة، وصولا الى قرار نقل السفارة الامريكية الى القدس. اعلان وفاة السلام، ووأد اتفاقيات السلام والصلح مع اسرائيل، وأي مسار للمفاوضات الفلسطينية والعربية قائم ومحتمل مع اسرائيل، وهو ما لم تُرِد الانظمة العربية الرسمية قبوله والاعتراف به، وهو واقع الحال بلا محالة. فمن لا يستطيعون الخروج من عباءة الامريكي وحليفه الاكبر في الشرق الاوسط الاسرائيلي، الصعوبة هنا بان ثمة انظمة عربية اعتاشت شرعيتها على السلام مع اسرائيل واحتمت دوليا بالاتفاقيات السلمية. بالطبع الى حد كبير فان قرار ترامب قد وضح خطا فاصلا لعمر السلام، ولربما ما أن ترامب بعث برسالة بالاول ليست للنظام السوري ومن قبله الى الانظمة العربية المتعاونة والصديقة والحليفة للامريكان، اسرائيل أولا، ومن بعدها الخراب والدمار والفوضى، وهكذا يريد ترامب أن يتعامل مع الاقليم بكل حروبه وأزماته بمنطق اسرائيلي بحت، فالقرار أكثر ما أحرج حلفاء أمريكا في الاقليم. موت السلام يعني أيضا أن المرحلة المقبلة ستشهد اعلان علاقات مباشرة للتطبيع بين اسرائيل والدول العربية. وبالفعل هناك دول عربية أدركت جيدا السياسة الامريكية اندفعت نحو تل ابيب بتطبيع تجاري ودبلوماسي قفز من فوق الجميع، دون اثمان تتعلق بالارض مقابل السلام معادلة السلام في تسعينات القرن الماضي، ويبدو أن اسرائيل بقدر ما تلامس من تردٍّ وضعف عربي فانها توسعت في الاستيطان في الضفة الغربية تحت غطاء التسوية، والاعتدات المستمرة لقطاع غزة، والابادة للشعب الفلسطيني، وصولا الى نقل السفارة الامريكية الى القدس. قرار ترامب متزامن مع اجواء ما قبل إعلان صفقة القرن، وذلك ليس صدفة حتما، ولربما يذهب مراقبون الى أن صفقة القرن لم يبق من مخططها شيء، وقد تم إقرار كافة مراحلها على الواقع. المخطط الامريكي -الاسرائيلي يذهب الى ما أبعد في تمزيق الجغرافيا العربية، وانتجا واقع حال جديد سياسيا واستراتيجيا في الشرق الاوسط. وخروج سورية من حربها بوحدة أراضيها وبقاء نظام الاسد، لربما أكثر ما دفع الامريكان لاعلان قرار بمثابة رسالة الى دمشق أن الحوار والتفاوض معها في المستقبل مستحيل ومستبعد، والقرار انهى أي رهان على أي مفاوضات بين دمشق وتل أبيب. وما يُبقي دمشق بين خيارين فإما أن يذهبوا الى مفاوضات لاضفاء شرعية على السيادة الاسرائيلية على الجولان، أو ان ترفض دمشق هذا المسار، وتبقى في محور الممانعة والمقاومة. لربما أن المسرحية لها أجزاء وفصول أخرى يجري الاعداد للاعلان عنها، فمن بعد القدس والجولان، قد يصدر ترامب قرارا بضم الضفة الغربية الى اسرائيل، والاعتراف بالسيادة الاسرائيلية، وهو سيناريو يدافع ويروج له كثيرا في أدبيات اليمين الاسرائيلي المتطرف. وما يندرج أيضا تحت باب التعريف الديني التوراتي باسرائيل الكبرى. والروايات التوراتية تذهب الى ما أبعد في خيالها بوحدة الجغرافيا المكانية لدولة الشعب اليهودي المفقودة والضائعة، فبعد الهجرة الى الوطن، وتحرير أورشليم، ويهودية الدولة، فتطهيرها من السكان الاجانب. بقي أن ما يجري في الشرق الاوسط يعيد الى الاذهان السؤال المُلح حول النظام الرسمي العربي، وقد سمعنا الرد الباهت لامين عام جامعة الدولة العربية حول القرار الامريكي والتساهل لتكون البلاد العربية غنيمة لتقاسم الامريكان وحلفائهم في الاقليم، اسرائيل وغيرها أيضا، فإعلان الجولان سيفتح شهية دول أخرى في الاقليم لتبحث عن حصتها في الفريسة السورية.
مدار الساعة ـ نشر في 2019/03/27 الساعة 01:05