زيارات الفجر !
في حقبة مضت كان ثمة اصطلاح يتداوله النشطاء في العمل السياسي اسمه «زوار الفجر» ! ويقصد به عمليات مداهمة أمنية ، تستهدف اعتقال عناصر حزبية ونشطاء سياسيين في ساعات الفجر الأولى ، لكنني أتحدث هنا عن مبادرات لافتة ، يقوم بها أحد الوزراء لم أجد وصفا لها أنسب من «زيارات الفجر» !
لست متهما بمديح أي مسؤول ، فهو عندما يقوم بعمل صحيح يؤدي واجباته ومسؤولياته ،إزاء الوظيفة العامة التي أقسم أن يخلص لها، لكن ذلك يستحق التنويه ،وسط بيئة عمل في القطاع العام ، تتسم بالكسل والخمول والاتكالية، وضعف الانتاجية وفائض الايدي العاملة «بطالة مقنعة»، وفي بعض المرافق يتعذب المواطن ، خلال مراجعاته لانجاز معاملات او تلقي خدمة ، وتبدو مثل هذه الزيارات الميدانية المفاجئة لتفقد العمل ، أسلوب عمل لوزير الصحة الدكتور محمود الشياب، وهو نهج جدير بأن يكون قدوة للمسؤولين في القطاع العام ونهج وظيفي لأجهزة الدولة.
قبل نحو ستة أشهر التقيت «صنايعي» لا أعرفه في مكتب صديق ، شخص عادي كان يتحدث عن مرضه ،وأنه خرج حديثا من مستشفى البقعة، وروي لي أنه خلال إقامته في المستشفى بعد اجراء عملية جراحية، فوجيء عند الساعة السادسة صباحا بشخص لا يعرفه يجلس بجانبه على السرير، فسأله :من أنت وماذا تريد؟ فأجابه الزائر أريد أن أطمئن عنك ! فرد عليه المريض باستهجان.. «نعم يا خوي وانت منين تعرفني «! ومن قبيل السخرية قلت له: «مد إيدك على الطاولة وخذ علبة عصير واشربها والله يسهل عليك» ! وغادر الزائر الغرفة بعد أن تمنى للمريض السلامة ، ويضيف المريض: في الأثناء شاهدت حركة غير طبيعية لموظفي وكوادر المستشفى المتواجدين خلال تلك الفترة، فتأكدت أن الزائر هو وزيرالصحة..
وخلال الفترة الماضية طالعت في الأخبار ، قيام وزير الصحة بالعديد من الزيارات المفاجئة ،لبعض مستشفيات الوزارة كان آخرها زيارته قبل بضعة أيام ،بين الساعة الثانية فجرا وحتى الخامسة صباحا ،الى مستشفى البشير أكبر مستشفيات الوزارة، ومن الطبيعي ان يكون موضوع مثل هذه الزيارة ، تفقد مستوى الخدمة الطبية المقدمة للمرضى، سواء الذين يرقدون على أسرة الشفاء أو المراجعين لأقسام الاسعاف والطواريء،في الساعات المتأخرة من الليل التي تبدو خارج نطاق الرقابة والمتابعة، والواقع أنه حتى خلال ساعات الدوام الرسمي،يحدث في العديد من المرافق العامة «تهرب وظيفي»، يؤثر سلبا على مستوى الخدمة المقدمة للمواطنين. حيث يغادر بعض الموظفين لقضاء أعمال خاصة بهم، ولذلك علاقة بضعف ثقافة العمل في مجتمعنا،خاصة في القطاع العام.
وفي مثل هذه البيئة ، تبدو أهمية الزيارات المفاجئة وغير المبرمجة لغرض الظهور الاعلامي ، سلوك حميد يستحق التقدير والتعميم، لكنها بالتأكيد ليست «حلا سحريا « ، لكل المشكلات التي تواجه مستشفيات وزارة الصحة والمراكز الصحية التابعة لها ولمسها الوزير بنفسه ،والعديد منها مبانيها قديمة بحاجة الى تحديث ، وهي تعاني من ضغط هائل بسبب كثرة المراجعين، ونقص في الكوادر الطبية ،وضعف النظافة العامة وتقادم الاجهزة الطبية ، والثلاجات والمستهلكات الطبية التي تحتاج الى تبديل أو صيانة مستمرة ، وضرورة حفظ الادوية بشكل جيد.
وقد لفتني في أكثر من زيارة لمستشفيات حكومية مثل البشير والأمير حمزة ، كما هو حال المدينة الطبية ، تزاحم المرضى في طوابير طويلة ،واضطرارهم لقضاء وقت طويل بانتظار الدور ، الأمر الذي يزيد معاناة المرضى لانجاز الاجراءات ، في العيادات وصرف الوصفات الطبية في الصيدليات ، وإجراء فحوصات الاشعة والمختبرات..الخ ، وهي اجراءات تنطوي على رتابة مرهقة ، وبظني أنه يمكن اختصار الخطوات والتسهيل على المرضى !
الرأي