مواقع التواصل والنظرة السوداوية

مدار الساعة ـ نشر في 2017/03/05 الساعة 00:31
لا تخطىء العين الفاحصة وهي تطالع مواقع التواصل الاجتماعي في بلدنا،أن تكتشف أن هذه المواقع كشفت ومازالت تكشف أسوأ ما فينا، من صفات وعورات، من بينها كم نحن شغوفون باغتيال الشخصية بغير حق في كثير من الأحيان، علماً بأن هذه الممارسة تدخل في إطار «إثم» قذف المحصنين والمحصنات، التي فرض الله لها حدوداً لفداحتها وبشاعتها، ومع ذلك تصر شرائح واسعة منا على ممارستها رغم التدين الظاهري للكثيرين ممن يمارسون اغتيال الشخصية وإثم قذف المحصنين والمحصنات بغير دليل.

ومن العورات التي تكشفها مواقع التواصل الاجتماعي هي كم نحن سطحيون، لا نجد ما نملأ به صفحاتنا على هذه المواقع إلا صورنا الشخصية،وصور موائدنا بكل ما في هذا التصرف من فجاجة، وقلة ذوق وجرح للمشاعر خاصة مشاعر الفقراء والمساكين.

مثلما تكشف الكثير من صفحات التواصل الاجتماعي عن حقد طبقي بدأ يستشري بيننا، ويرتفع خطابه بين ظهرانينا. وهو أمر على علماء الاجتماع الانتباه إليه لخطورته على تماسك المجتمع.

غير أن من أخطر ما تكتشفه العين الفاحصة لصفحات التواصل الاجتماعي دون كبير عناء،هوالنظرة السوداوية المتشائمة واليائسة التي أخذت تتمدد بين ظهرانينا. وهي نظرة تُشيع فينا روح الإحباط والتشكيك في قدرتنا على فعل أي شيء، وتسعى إلى قطع الطريق أمام كل تفكير إيجابي، وهذه النظرة السوداوية فوق أنها تتعارض مع تعاليم الدين الحنيف التي تنفي صفة اليأس والقنوط عن المؤمنين، فإنها تشكل خطرا على مستقبلنا، لأن أصحابها يريدوننا أن نستسلم لواقعنا، فلا نسعى إلى تطويره نحو الأفضل، كما هو الحال في المجتمعات الحية، وكما هي سنة الحياة التي علمتنا أن الله عزوجل إنما كان يبعث الأنبياء والرسل إلى المجتمعات التي يشتد كفرها، كذلك فإن المصلحين لا يظهرون إلا في المجتمعات الفاسدة التي تحتاج إلى من يعيدها إلى الصواب، ويخرجها من دوامة الفساد التي تسودها، وهي حالة بشرية متجددة ولعل ذلك من أسرار الحديث النبوي « إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها أمرها». فالتجديد أمر طبيعي تحتاج إليه المجتمعات البشرية بصورة مستمرة، لأن دورة الحياة كثيراً ما أوقعت المجتمعات في شراك الفساد والترهل، وأي قارىء لتاريخ التدافع الحضاري سيكتشف ان المجتمعات البشرية معرضة بصورة دائمة للإصابة بأمراض الفساد وأعراضه،غير أن الاختلاف بين المجتمعات يكمن في طريقة تعاملها مع أعراض الفساد وأمراضه، فالمجتمعات التي تستسلم لدعوى التشكيك والإحباط ومن ثم تستسلم للفساد تباد وتخرج من حركة التاريخ ومن دورة التدافع الحضاري،مصداقاً لقوله تعالى «وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا» أما المجتمعات التي تتسلح بالأمل وبالإرداة، فتقاوم أعراض الفساد وأمراضه، فإنها تستأنف دورها في الفعل الحضاري ودوراته والشواهد على ذلك كثيرة، من هنا دعوتنا إلى عدم الاستسلام إلى دعوى الإحباط والتشكيك، لأنها خطر حقيقي يهدد سلامة بنياننا الاجتماعي ويقضي على ما تبقى من مناعتنا الاجتماعية.

لقد فات دعاة التشكيك والإحباط بيننا الكثير من حقائق الحياة، منها على سبيل المثال أنه لو استسلمت الشعوب المستعمرة لقاعدة توازن القوة بينها وبين مستعمرها لما تحرر شعباً من شعوب الأرض، ولما انتصر الشعب الفيتنامي على أضخم ترسانة عسكرية في التاريخ، أعني بها الترسانة الأمريكية،التي هُزمت في فيتنام وغير فيتنام أمام إرادة الحياة التي تسلحت به شعوب مستعضفة رفضت الهيمنة عليها. تماماً مثلما انتصر الحجر بيد الطفل الفلسطيني على المدفع بيد الغاصب الصهيوني، وأجبر الإسرائيلي على الجلوس إلى مائدة المفاوضات بفعل انتفاضة الحجر التي انتصر فيها الدم على السيف. وكثيرة هي الأمثلة التي تبرهن على انتصار شعوب صغيرة على مستعمريها التي يحتفظ بها التاريخ عندما لم تستسلم هذه الشعوب لأكذوبة توازن القوى. ولماذا نذهب بعيداً وفي تاريخنا الإسلامي الأدلة القاطعة على هذه الحقيقة الكونية وأبرزها كيف تمكن بضعة الآف من الحفاة العراة الذين خرجوا من جزيرة العرب ليزيلوا من الوجود أعظم إمبراطورتين في تلك الفترة، هما الإمبراطورية الرومانية والإمبراطورية الفارسية لتنقلب الحقائق على أرض الواقع، فبعد أن كان العرب الممزقين إلى قبائل متناحرة يطلبون ود وحماية روما وفارس، صاروا هم سادة العالم وحماة الشعوب. كل ذلك بفعل الإرادة وعدم الاستسلام إلى دعوات التشكيك والإحباط التي كان يروج لها المشركون والمنافقون لتثبيط همم المسلمين.

خلاصة القول في هذه القضية هي أن ما نحتاج إليه في هذه المرحلة لتخرج بلادنا مما هي فيه، هو أن نتسلح بسلاح الأمل وأن نشحذ هممنا وإرادتنا وأن نأخذ بأسباب التغير وأولها أن لا نستسلم للنظرة السوداوية والخطاب المشكك الذي يحاول البعض ترويجه بيننا خاصة على صفحات التواصل الاجتماعي

الرأي
مدار الساعة ـ نشر في 2017/03/05 الساعة 00:31