الأمن المائي الأردني...

مدار الساعة ـ نشر في 2019/03/24 الساعة 00:25
الزراعة والرعي كانت الانشطة الاقتصادیة الاهم لأهل الأردن عبر تاریخ المنطقة الممتد لآلاف السنین قبل أیام دخل البلاد رسمیا فصل الربیع. وفي هذا العام یبدو الربیع مختلفا فالأرض اكثر خضرة والطقس ما یزال باردا والأرض لم تكن یوما اجمل مما هي علیه فقد نالت نصیبها من المطر وفاضت بعض السدود وتفجرت الینابیع وتوقف أصحاب المواشي عن شراء الاعلاف واصبح الناس اقل توترا مما كانوا علیه قبل الربیع. امطار هذا العام كانت الاوفر والاشمل والاكثر تتابعا وتأثیرا. من یتجول في الاریاف والبوادي یدهشه جمال الطبیعة والوان الحقول التي تحولت الى لوحات تتداخل فیها الوان الزهور وخضرة الغطاء النباتي في مشهد قلما یتكرر. الینابیع التي تفجرت أدهشت أهالي القرى والأریاف فلا شيء یسعد البدوي والمزارع ویبعث في نفسه الامل اكثر من نزول المطر وتوفر المیاه. بجانب هذه الصور الجمیلة لا یملك احدنا إلا أن یتذكر مشكلاتنا المائیة والمخاطر التي تشكله على واقعنا ومستقبل المجتمع الأردني وأجیاله . ففي محیطنا الجغرافي لا یوجد بلد یعاني من شح المیاه كما یعاني الأردن. السنوات الاخیرة شهدت تزایدا في الطلب على استهلاكها دون تطویر واضح لمصادرها او استعدادات مطمئنة لتلبیة هذا الطلب. من المحزن ان ترى وتسمع عن عملیات إفراغ السدود في اكثر بلدان المنطقة حاجة للمیاه. الحجج التي تساق لتبریر هذه الاجراءات تثیر الكثیر من الاسئلة حول مدى سلامة التخطیط وقدرة المؤسسات على التصدي للتحدیات التي تواجهنا على كافة المستویات. لأكثر من ثلاثة عقود والجمیع یتحدث عن قناة البحرین دون أن نلمس اجراءات على الأرض.

من وقت لآخر تطفو على السطح أرقام مخیفة للعجز المائي دون وجود خطط ومشاریع لسد هذا العجز او التخفیض من معدلاته. التحكم في الإدارة والتوزیع للمیاه المتوفرة یشغل الحكومات والشركات أكثر مما یشغلها الحصاد والتنمیة والتطویر للمصادر. الیوم ومع مرور أكثر من نصف قرن على تأسیس قناة الغور الشرقیة وقرابة العقد على جر میاه الدیسي أصبح شح المیاه مشكلة الأمن الإنساني الأولى . حتى الیوم لا یوجد اجراءات حاسمة لزیادة المتوفر من المیاه، ففي كافة ارجاء البلاد ما یزال شبح الانقطاع یطل برأسه على الأردنیین في كل عام. ما أن یحل الصیف حتى تتعاظم المخاوف ویزداد القلق دون ان یظهر في الأفق ما یطمئن الناس على مستقبل البلاد المائي. من یستمع لأشعار البدو وقصائد المزارعین یدرك اننا ما نزال في قبضة الطبیعة التي لا تدور عجلة الحیاة فیها بدون المیاه, فالغنى والفقر والحیاة والموت والاستقرار والتشرد كان وما یزال مرتبطا بالمیاه ووفرتها . في أجزاء كثیرة من المشرق والمغرب العربي یوجد شح في المیاه واعتماد كبیر على المطر الذي بغیره یكون القحط والجفاف وربما موت للزرع والضرع. الزراعة والرعي كانت الانشطة الاقتصادیة الاهم لأهل الأردن عبر تاریخ المنطقة الممتد لآلاف السنین. في عجلون والطفیلة وجرش غطاء من الاشجار المعمرة، وفي الربیع تتحول الكثیر من المساحات الجرداء الى حقول وفضاءات مبهجة. لذا ظل المطر احد اهم المتغیرات التي یتابعها الناس وینتظرون بفارغ الصبر هطول المطر وتحرك دورة الحیاة في دیارهم المقفرة. منذ ایام تداول الناشطون على وسائل التواصل الاجتماعي وثیقة كتبت بخط الید وتشتمل على كمیات ونسب ومعدلات الامطار التي هطلت على منطقة الیادودة المجاورة لعمان عبر ما یزید على خمسین عاما. الوثیقة تمثل السجل الرسمي للهطول المطري على المنطقة المجاورة لخربة ابوجابر حیث كانت بعض منازل المزارعین وحقولهم تنهض بمسؤولیة الرصد للامطار والتحولات المناخیة في البلاد. السلطات العثمانیة كانت تستخدم السجلات المطریة ومنسوب البرك والسدود كمعاییر ارشادیة في تقدیر نسبة ضرائب المحاصیل التي تجمعها من الولایات. هذه المعاییر كانت مؤشرات الاستدلال على القحط والغلال وهي لا تختلف كثیرا عن المقاییس التي استخدمها عمرو بن العاص لقیاس مستوى جریان النیل كمؤشر على نسبة الخراج الذي تحصل علیه الدولة الاسلامیة من ولایاتها. الاهتمام بالمیاه وتطویر مصادرها مدخل مهم لتطویر الانتاج ودفع التنمیة وتحقیق موارد اضافیة للخزینة التي ترزح تحت ضغوط الدیون والعجز ونقص الواردات. الغد
مدار الساعة ـ نشر في 2019/03/24 الساعة 00:25