أم البشر.. زوج آدم (عيد الأم)
أول ما خلق الله من البشر هو آدم عليه السلام وخلقه بيديه تكريماً له (الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنسَانِ مِن طِينٍ (السجده: 7)). وقال الله تعالى (قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْعَالِينَ (ص: 75)). وكان الله يريد أن يجعل آدم خليفته في الأرض (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (البقرة:30)). وكيف سيكون آدم لوحده خليفة الله في أرضه؟! كان لا بد أن يخلق له زوجه من نفسه حتى يكون بينه وبينها موده ورحمة وتكون سكناً وطمأنينة له. وتنجب له الذرية حتى يعمرون الأرض (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا (النساء: 1)). وقد عَلَّم الله آدم وزوجه كيفية الزواج عن طريق الحيوانات ومن أجمل ما جاء من الآيات حول زواج آدم من زوجه (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَت دَّعَوَا اللَّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحًا لَّنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (الأعراف: 189)). كم كان الله لطيفاً عندما إختار كلمة تَغَشَّاهَا! وكيف مرت بحملها وتعبها عندما أثقلت ... إلخ وكيف فكر آدم وزوجه بما سيأتيهم من الذريه هل سيكون مثلهما أو مثل ما شاهدوه عند الحيوانات ولهذا قالا: لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحًا لَّنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ.
وهكذا إستمر آدم وزرجه في زواجهما وتربية أولادها... وكيف الأم عانت ما عانته في فترة الحمل ومشقة الولادة وتعب الرضاعة والتربية المستمرة عند كل مولود ... إلخ. ولهذا كانت تدور معظم الأقوال حول الأم والأنثى وليس حول الرجل. فقيل وما زال يقال: الأم مدرسة إذا أعددتها أعددت شعباً طيب الإعراق. والأم التي تهز السرير في يمينها تهز العالم في يسارها (إن ربت إبنها تربية صحيحة لكي يكون قائداً). وخلف كل رجل عظيم إمرأة ... إلخ. فمهما قدَّم الولد لأمه لا يجزيها قطرة حليب رضعها ولا دقيقة من ليلة من الليالي التي سهرت عليه وهو مريض، ولا تعب غسيل فضلاته وهو طفل ... إلخ. ولما تقدم فالأم لها فضل كبير لا يُقدَر بثمن على أولادها، ومهما عملوا وقدموا لها لا يجزوها الشيء اليسير مما قدمت لهم. فأحس الأجانب بذلك وكرَّمُوها بما يسمى بعيد الأم كل واحد وعشرين آذار من كل عام. ولكن نحن كمسلمين كرَّم الله الأبوين الأم والأب منذ ألف وأربعمائة وأربعون سنة حين قال (وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا، وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا (الإسراء: 23 و 24)). وقال الله أيضاً (وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَىٰ وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ، وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَىٰ أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (لقمان: 14 و 15)). وقال (وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا وَإِن جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (العنكبوت: 8)). عن أبي هريرة جاء رجل وقال: من أحق بحسن صحبتي يا رسول الله؟ قال الرسول صلى الله عليه وسلم: أمك، ثم أمك، ثم أمك، ثم أباك، ثم أدناك أدناك. وهذا الحديث يوضح ما للأم من ثلاثة أضعاف من حسن الصحبة عن الأب. فنسأل الله أن يجعلنا ممن يحسنون صحبة والدينا أبداً ما أحيانا وأحياهم الله. وندعوا لأبونا آدم وأمنا زوجه بما ندعوا لوالدينا.