السرحان تكتب.. معركة الكرامة ملحمةُ فخرٍ..
مدار الساعة ـ نشر في 2019/03/20 الساعة 18:30
جميلة السرحان
كانتْ _ كما لم تكنْ يوماً _ مطايانا..
تمحو عن الأُفق الدامي حزيرانا..
وترسمُ اللوحة الأنقى سنابكها..
على المحاور إعصارًا وبركانا..
وكان ثَمّ صباحٌ رائعٌ ألِق..
وفتيةٌ نصبوا للمجدِ صيوانا..
هم النشامى وهم جندُ الحسين وهم..
أحفادُ من شيّدوا للحقِ بنيانا..
وهم فيالقُ عبدالله مشرّعة..
رماحهم تُرجع البهتان بهتانا..
يزغردون ونورُ الله يملأُهم..
يومَ الكرامة تصميمًا وإيمانا..*(ابراهيم الحسبان)
معركةُ الكرامة ملحمةُ فخرٍ تتفتق في ذكراها معاني الرجولة والشجاعة والفداء، وورود العشق والشوق والحنين للأرض الطيبة وقدسيتها ، للمعركة وصبرها ونصرها وللشهداء وقصص بطولاته وتضحياتهم.
فما زالت رايات كتائبهم تخفق فوق هذه الأرض ، لتجدد كل عام بيعة الوفاء والاخلاص على العهد الذي يجمعنا على شعار جيشنا العربي "الله ، الوطن ، الملك" عهد الأحرار الشرفاء الأنقياء الذين ما بدّلو تبديلاً. فهي ملحمة الفخر التي حطمت أسطورة الجيش الإسرائيلي الذي ظن أنّه لا يقهر ، معركة الكرامة عام 68 المعركة التي أرست معلمًا في التاريخ العربي وأرّخت لأول نصرٍ بعد مرارة النكسة . ففي فجر يوم 21 آذار 1968 زمجرت المدافع وانطلقت الأصوات على الأثير عبر الأجهزة اللاسلكية تعلن بدء الهجوم الصهيوني عبر النهر على الجيش الأردني الصامد المرابط ، إذْ حاولت القوات الإسرائيلية احتلال نهر الأردن واجتياح ضفته من محاور عدة وبغطاء جوي كثيف. فكان هجوماً واسعاً على الضفه الشرقية لنهر الأردن امتد من جسر الأمير محمد شمالاً حتى جنوب البحر الميت ،
إذْ كانت إسرائيل قد حشدت أربعة ألوية لتنفيذ المعركة : لواءان مدرعان ولواء المظليين ٣٥، ولواء المشاة ٨٠ ، تدعمها وحدات من المدفعيه الميدانية ( خمس كتائب مدفعية من عيار ١٠٥ مم و ١٥٥ مم) ووحدات هندسية عسكرية ، وتغطية جوية بأربعة اسراب نقالة.
إضافة إلى عدد من المروحيات لنقل كتيبتي مشاة مع معداتهما والتي بلغ عددها ١٥ ألف جندي ، إذْ اتخذت القيادة الأردنية استعدادها للتصدي للعدوان الوشيك ، فوُضعت القوات في حالة استنفار وتعبئة ، انتظاراً للتطورات المتوقعة ، ورغم ان إسرائيل أعلنت انها قامت بالهجوم لتدمير قوة المقاومة الفلسطينية ، الا ان الهدف لم يكن كذلك كما تبين من الوثائق التي حصلت عليها القوات الأردنية ، فقبل أيام من معركة الكرامة حشدت إسرائيل قواتها لاحتلال مرتفعات البلقاء والاقتراب من العاصمة عمان ، وضم أجزاء جديدة من الاردن وتحويلها إلى جولان أخر ، وكانت تسعى كذلك إلى ارغام الأردن على قبول التسوية والسلام الذي تفرضه إسرائيل ، والشروط التي تراها وكما تفرضها من مركز القوة ، ومحاولة وضع ولو موطئ قدم على أرض شرقي نهر الأردن ، باحتلال مرتفعات السلط وتحويلها إلى حزام أمني لإسرائيل.
لكن لم تجري الأمور كما منّت إسرائيل نفسها ، ففي قرية الكرامة الأردنية كانت الملحمة حين اشتبكت القوات الأردنية مع قوات الاحتلال خمسون دقيقة ، إذْ كانت في القرية لحظة فارقة جابها الإسرائيليون شراسة أصحاب الأرض وتمرّس أهل القضية ،
فاندفعت القوات العاملة على ذاك الجسر تحت ستار كثيف من نيران المدفعية والدبابات والرشاشات المتوسطة فتصدت لها قوات الحجاب الموجودة شرق الجسر مباشرة ودارت معركة عنيفة تمكنت قواتنا خلالها من تدمير عدد من دبابات العدو وإيقاع الخسائر بين صفوفه وإجباره على التوقف والانتشار. عندها حاول العدو إقامة جسرين إضافيين، إلا أنه فشل بسبب كثافة القصف المدفعي على مواقع العبور، ثم كرر اندفاعه ثانية وتحت ستار نيران الجو والمدفعية إلا أنه فشل ايضاً، وعند الظهيرة صدرت إليه الأوامر بالانسحاب والتراجع غرب النهر.
إذْ بدأت إسرائيل بالانسحاب في حوالي الساعه ١٥:٠٠، وطلبت ولأول مرة في تاريخ الصراع العربي الاسرائيلي وقف إطلاق النار في الساعة الحادية عشرة والنصف من يوم المعركة ، الا أن الأردن أصرّ وعلى لسان جلالة المغفور له بإذن الله الحسين بن طلال على عدم وقف إطلاق النار طالما أنّ هناك جندياً اسرائيلياً واحداً شرقي النهر ، فانسحب الجيش الإسرائيلي انسحاباً كاملاً تاركاً العديد من الخسائر بالأرواح والمعدات ، وتاركًا وراءه ذيول هزيمة كان شهودها آلياتهم العسكرية وجثث قتلاهم . حيثُ بلغ عدد القتلى من العدو 250 قتيلاً والجرحى 450 وتدمير 88 آلية مختلفة تمكن العدو من إخلائها وقد شملت 27 دبابة و 18 ناقلة و 24 سيارة مسلحة و 19 سيارة شحن و 20 دبابة وآلية مختلفة بقيت في أرض المعركة وإسقاط 7 طائرات مقاتلة. أمّا قواتنا الباسلة فكان عدد الشهداء 86 والجرحى 108 ، وتدمير 13 دبابة و 39 آلية مختلفة. إذْ أبرزت المعركة حُسن التخطيط والتحضير والتنفيذ الجيد لدى الجيش العربي ، مثلما أبرزت أهمية الاستخبارات إذ لم ينجح العدو بتحقيق عنصر المفاجأة نظراً لقوة الاستخبارات العسكرية الأردنية، والتي كانت تراقب الموقف عن كثب وتبعث بالتقارير لذوي الاختصاص حيث تُمحص وتحلل النتائج فتنبأت بخبر العدوان ، مما أعطى فرصة للتجهيز والوقوف في وجهها. كما برزت أهمية الاستخدام الصحيح للأرض حيث أجاد جنود الجيش العربي الاستخدام الجيد لطبيعة المنطقة ، وحسب السلاح الذي يجب أن يستخدم وإمكانية التحصين والتستر الجيدين ، بعكس العدو الصهيوني الذي هاجم بشكل كثيف دون معرفة بطبيعة المنطقة. فانتصر الجيش الأردني وطرد الغزاة ، فكان ذلك صدمة حلّت سريعًا بين قادة الجيش الإسرائيلي ، فقد هزّ شعورهم أن جيشهم بات يهزم ، إذْ قال حاييم بارليف رئيس الأركان آنذاك :" إن إسرائيل فقدت في هجومها الأخير على الأردن آليات عسكرية تعادل ثلاثة أضعاف ما فقدته في حرب حزيران،لقد كانت عملية الكرامة فريدة من نوعها ولم يتعود الشعب في إسرائيل مثل هذا النوع من العمليات ". أمّا مجلة نيوزويك الأميركية فقد نشرت آنذاك :"أرخت معركة الكرامة بعنوان عريض لقد قاوم الجيش الأردني المعتدين بضراوة وتصميم ، وإنّ نتائج المعركة جعلت الملك الحسين بن طلال بطل العالم العربي ". إلاّ أنّ الخطاب الأكثر أثراً كان خطاب جلالة المغفور له بإذن الله الملك الحسين بن طلال خلال المؤتمر الصحافي الذي عقده جلالته في اليوم التالي للمعركة: “يا اخوتي في السلاح يا حصن الأردن الحصين ودرع العرب المتين ، يا معدن الفخر وينبوع الكبرياء ، يا ذخر البلد وسند الأمة ، وأصل البطولة والفداء ، أحييكم تحية إكبار لا تقف عند حد وتقدير لا يعرف نهاية ، وأبعث مثلها إلى أهلي من ذوي الأبطال الذين سقطوا في ساحات الوغى ، بعد أن أهدوا إلى بلدهم وأمتهم أنبل هدية وأعطوا وطنهم وعروبتهم أجزل العطاء ، فلقد كنتم جميعاً والله أمثولةً يعز لها النظير في العزم والإيمان ، وقمة ولا كالقمم في التصميم والثبات ، وضربتم في الدفاع عن قدسية الوطن والذود عن شرف العروبة أمثولة ستظل تعيش على مر الزمان . وإذا كان لي أن أشير إلى شيء من الدروس المستفادة من هذه المعركة يا إخوتي فإن الصلف والغرور يؤديان إلى الهزيمة وإن الإيمان بالله والتصميم على الثبات مهما كانت التضحية هما الطريق الأول إلى النصر ، وأن الاعتماد على النفس أولاً وأخيراً ووضوح الغاية ونبل الهدف هي التي منحتنا الراحة حين تقرر أننا ثابتون صامدون حتى الموت ، مصممون على ذلك لا نتزحزح ولا نتراجع مهما كانت التحديات والصعاب”. فكانت معركة الكرامة على الصعيد العربي نوعاً من استرداد جزء من الكرامة التي فقدتها في حزيران 1968 القوات المسلحة العربية التي لم تتح لها الفرصة للقتال . حيثُ سطّر شهداء الجيش العربي الأردني بدمائهم الزكية صفحة مشرقة في تاريخ وطنهم وأمتهم يخلدها لهم التاريخ على مدى الزمن السرمدي ، وخلال الاحتفال بالذكرى الحادي والخمسين لمعركة الكرامة الخالدة نستذكر قول جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين القائد الأعلى للقوات المسلحة في كلمة لجلالته بهذه المناسبة : “نستذكر من هذا المكان الطاهر المعطر بدم الشهداء وبطولات الجيش العربي الذكرى العابقة لمعركة الكرامة التي حقق فيها نشامى هذا الجيش أعظم الانتصارات ، وسجّلوا فيها ملحمة الشجاعة والبطولة والتضحية والانتماء ، وأعادوا فيها للأمة كرامتها وثقتها بنفسها". فسلامٌ على الكرامة قيادتها وجيشها وشهدائها وأهلها ، سلامٌ على المرابطين حولها ، إذْ ترنو عيونهم نحو بطولات الآباء والأجداد على سفوحها وهضابها وأسوارها ، ويقرأون في دفاتر تاريخهم العابق بالمجد قصص النشامى والفرسان ، وهم ينيرون لنا آفاق الماضي والحاضر والمستقبل ، ويحشذون الهمم والعزائم وهم يستندون إلى الروح الجعفرية ، وقد أيقنوا أنّ الغرور والغطرسة والصلف ، مصيرها الهزيمة والإنكسار والخذلان. ، وأنّ الأصالة التي تجري في الجسد والروح مجرى الدم في العروق هي التي تسمو بمعانيها وقيمها ونواميسها مهما طال الزمن وبعدت المسافات ، ويدرك أهلها الذين تجذرت حضارتهم عبر التاريخ ، أن كل طارئ على هذه الحياة وكل دخيل على هذه الأرض الطيبة سوف يكون مصيره الهزيمة والانكفاء والتقوقع ، فالكرامة المعنى والمعركة ماثلة في نفوسنا وحاضرة مع أطفالنا وأجيالنا ، يحملونها على الدوام عنواناً للنصر والصبر والتفوق على كل الجراحات. وإننا في هذه الذكرى الغالية نرفع الأكف تضرعاً لله العليّ القدير أن يتغمد الحسين قائد هذه المعركة بواسع رحمته وان يمنح جلالة القائد الأعلى الملك عبد الله الثاني ابن الحسين العزم والقوة ليمضي بالأردن قُدماً نحو معارج الرقي والتقدم وأن يحفظ هذه الأرض الطيبة وأهلها الطيبين الأحرار الشرفاء ، وجيشنا العربي المصطفوي ، وأن يرحم شهدائنا جميعاً ويدخلهم فسيح جناته وأن يربط على قلوب أمهاتهم في كل زمانٍ ومكان .
تمحو عن الأُفق الدامي حزيرانا..
وترسمُ اللوحة الأنقى سنابكها..
على المحاور إعصارًا وبركانا..
وكان ثَمّ صباحٌ رائعٌ ألِق..
وفتيةٌ نصبوا للمجدِ صيوانا..
هم النشامى وهم جندُ الحسين وهم..
أحفادُ من شيّدوا للحقِ بنيانا..
وهم فيالقُ عبدالله مشرّعة..
رماحهم تُرجع البهتان بهتانا..
يزغردون ونورُ الله يملأُهم..
يومَ الكرامة تصميمًا وإيمانا..*(ابراهيم الحسبان)
معركةُ الكرامة ملحمةُ فخرٍ تتفتق في ذكراها معاني الرجولة والشجاعة والفداء، وورود العشق والشوق والحنين للأرض الطيبة وقدسيتها ، للمعركة وصبرها ونصرها وللشهداء وقصص بطولاته وتضحياتهم.
فما زالت رايات كتائبهم تخفق فوق هذه الأرض ، لتجدد كل عام بيعة الوفاء والاخلاص على العهد الذي يجمعنا على شعار جيشنا العربي "الله ، الوطن ، الملك" عهد الأحرار الشرفاء الأنقياء الذين ما بدّلو تبديلاً. فهي ملحمة الفخر التي حطمت أسطورة الجيش الإسرائيلي الذي ظن أنّه لا يقهر ، معركة الكرامة عام 68 المعركة التي أرست معلمًا في التاريخ العربي وأرّخت لأول نصرٍ بعد مرارة النكسة . ففي فجر يوم 21 آذار 1968 زمجرت المدافع وانطلقت الأصوات على الأثير عبر الأجهزة اللاسلكية تعلن بدء الهجوم الصهيوني عبر النهر على الجيش الأردني الصامد المرابط ، إذْ حاولت القوات الإسرائيلية احتلال نهر الأردن واجتياح ضفته من محاور عدة وبغطاء جوي كثيف. فكان هجوماً واسعاً على الضفه الشرقية لنهر الأردن امتد من جسر الأمير محمد شمالاً حتى جنوب البحر الميت ،
إذْ كانت إسرائيل قد حشدت أربعة ألوية لتنفيذ المعركة : لواءان مدرعان ولواء المظليين ٣٥، ولواء المشاة ٨٠ ، تدعمها وحدات من المدفعيه الميدانية ( خمس كتائب مدفعية من عيار ١٠٥ مم و ١٥٥ مم) ووحدات هندسية عسكرية ، وتغطية جوية بأربعة اسراب نقالة.
إضافة إلى عدد من المروحيات لنقل كتيبتي مشاة مع معداتهما والتي بلغ عددها ١٥ ألف جندي ، إذْ اتخذت القيادة الأردنية استعدادها للتصدي للعدوان الوشيك ، فوُضعت القوات في حالة استنفار وتعبئة ، انتظاراً للتطورات المتوقعة ، ورغم ان إسرائيل أعلنت انها قامت بالهجوم لتدمير قوة المقاومة الفلسطينية ، الا ان الهدف لم يكن كذلك كما تبين من الوثائق التي حصلت عليها القوات الأردنية ، فقبل أيام من معركة الكرامة حشدت إسرائيل قواتها لاحتلال مرتفعات البلقاء والاقتراب من العاصمة عمان ، وضم أجزاء جديدة من الاردن وتحويلها إلى جولان أخر ، وكانت تسعى كذلك إلى ارغام الأردن على قبول التسوية والسلام الذي تفرضه إسرائيل ، والشروط التي تراها وكما تفرضها من مركز القوة ، ومحاولة وضع ولو موطئ قدم على أرض شرقي نهر الأردن ، باحتلال مرتفعات السلط وتحويلها إلى حزام أمني لإسرائيل.
لكن لم تجري الأمور كما منّت إسرائيل نفسها ، ففي قرية الكرامة الأردنية كانت الملحمة حين اشتبكت القوات الأردنية مع قوات الاحتلال خمسون دقيقة ، إذْ كانت في القرية لحظة فارقة جابها الإسرائيليون شراسة أصحاب الأرض وتمرّس أهل القضية ،
فاندفعت القوات العاملة على ذاك الجسر تحت ستار كثيف من نيران المدفعية والدبابات والرشاشات المتوسطة فتصدت لها قوات الحجاب الموجودة شرق الجسر مباشرة ودارت معركة عنيفة تمكنت قواتنا خلالها من تدمير عدد من دبابات العدو وإيقاع الخسائر بين صفوفه وإجباره على التوقف والانتشار. عندها حاول العدو إقامة جسرين إضافيين، إلا أنه فشل بسبب كثافة القصف المدفعي على مواقع العبور، ثم كرر اندفاعه ثانية وتحت ستار نيران الجو والمدفعية إلا أنه فشل ايضاً، وعند الظهيرة صدرت إليه الأوامر بالانسحاب والتراجع غرب النهر.
إذْ بدأت إسرائيل بالانسحاب في حوالي الساعه ١٥:٠٠، وطلبت ولأول مرة في تاريخ الصراع العربي الاسرائيلي وقف إطلاق النار في الساعة الحادية عشرة والنصف من يوم المعركة ، الا أن الأردن أصرّ وعلى لسان جلالة المغفور له بإذن الله الحسين بن طلال على عدم وقف إطلاق النار طالما أنّ هناك جندياً اسرائيلياً واحداً شرقي النهر ، فانسحب الجيش الإسرائيلي انسحاباً كاملاً تاركاً العديد من الخسائر بالأرواح والمعدات ، وتاركًا وراءه ذيول هزيمة كان شهودها آلياتهم العسكرية وجثث قتلاهم . حيثُ بلغ عدد القتلى من العدو 250 قتيلاً والجرحى 450 وتدمير 88 آلية مختلفة تمكن العدو من إخلائها وقد شملت 27 دبابة و 18 ناقلة و 24 سيارة مسلحة و 19 سيارة شحن و 20 دبابة وآلية مختلفة بقيت في أرض المعركة وإسقاط 7 طائرات مقاتلة. أمّا قواتنا الباسلة فكان عدد الشهداء 86 والجرحى 108 ، وتدمير 13 دبابة و 39 آلية مختلفة. إذْ أبرزت المعركة حُسن التخطيط والتحضير والتنفيذ الجيد لدى الجيش العربي ، مثلما أبرزت أهمية الاستخبارات إذ لم ينجح العدو بتحقيق عنصر المفاجأة نظراً لقوة الاستخبارات العسكرية الأردنية، والتي كانت تراقب الموقف عن كثب وتبعث بالتقارير لذوي الاختصاص حيث تُمحص وتحلل النتائج فتنبأت بخبر العدوان ، مما أعطى فرصة للتجهيز والوقوف في وجهها. كما برزت أهمية الاستخدام الصحيح للأرض حيث أجاد جنود الجيش العربي الاستخدام الجيد لطبيعة المنطقة ، وحسب السلاح الذي يجب أن يستخدم وإمكانية التحصين والتستر الجيدين ، بعكس العدو الصهيوني الذي هاجم بشكل كثيف دون معرفة بطبيعة المنطقة. فانتصر الجيش الأردني وطرد الغزاة ، فكان ذلك صدمة حلّت سريعًا بين قادة الجيش الإسرائيلي ، فقد هزّ شعورهم أن جيشهم بات يهزم ، إذْ قال حاييم بارليف رئيس الأركان آنذاك :" إن إسرائيل فقدت في هجومها الأخير على الأردن آليات عسكرية تعادل ثلاثة أضعاف ما فقدته في حرب حزيران،لقد كانت عملية الكرامة فريدة من نوعها ولم يتعود الشعب في إسرائيل مثل هذا النوع من العمليات ". أمّا مجلة نيوزويك الأميركية فقد نشرت آنذاك :"أرخت معركة الكرامة بعنوان عريض لقد قاوم الجيش الأردني المعتدين بضراوة وتصميم ، وإنّ نتائج المعركة جعلت الملك الحسين بن طلال بطل العالم العربي ". إلاّ أنّ الخطاب الأكثر أثراً كان خطاب جلالة المغفور له بإذن الله الملك الحسين بن طلال خلال المؤتمر الصحافي الذي عقده جلالته في اليوم التالي للمعركة: “يا اخوتي في السلاح يا حصن الأردن الحصين ودرع العرب المتين ، يا معدن الفخر وينبوع الكبرياء ، يا ذخر البلد وسند الأمة ، وأصل البطولة والفداء ، أحييكم تحية إكبار لا تقف عند حد وتقدير لا يعرف نهاية ، وأبعث مثلها إلى أهلي من ذوي الأبطال الذين سقطوا في ساحات الوغى ، بعد أن أهدوا إلى بلدهم وأمتهم أنبل هدية وأعطوا وطنهم وعروبتهم أجزل العطاء ، فلقد كنتم جميعاً والله أمثولةً يعز لها النظير في العزم والإيمان ، وقمة ولا كالقمم في التصميم والثبات ، وضربتم في الدفاع عن قدسية الوطن والذود عن شرف العروبة أمثولة ستظل تعيش على مر الزمان . وإذا كان لي أن أشير إلى شيء من الدروس المستفادة من هذه المعركة يا إخوتي فإن الصلف والغرور يؤديان إلى الهزيمة وإن الإيمان بالله والتصميم على الثبات مهما كانت التضحية هما الطريق الأول إلى النصر ، وأن الاعتماد على النفس أولاً وأخيراً ووضوح الغاية ونبل الهدف هي التي منحتنا الراحة حين تقرر أننا ثابتون صامدون حتى الموت ، مصممون على ذلك لا نتزحزح ولا نتراجع مهما كانت التحديات والصعاب”. فكانت معركة الكرامة على الصعيد العربي نوعاً من استرداد جزء من الكرامة التي فقدتها في حزيران 1968 القوات المسلحة العربية التي لم تتح لها الفرصة للقتال . حيثُ سطّر شهداء الجيش العربي الأردني بدمائهم الزكية صفحة مشرقة في تاريخ وطنهم وأمتهم يخلدها لهم التاريخ على مدى الزمن السرمدي ، وخلال الاحتفال بالذكرى الحادي والخمسين لمعركة الكرامة الخالدة نستذكر قول جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين القائد الأعلى للقوات المسلحة في كلمة لجلالته بهذه المناسبة : “نستذكر من هذا المكان الطاهر المعطر بدم الشهداء وبطولات الجيش العربي الذكرى العابقة لمعركة الكرامة التي حقق فيها نشامى هذا الجيش أعظم الانتصارات ، وسجّلوا فيها ملحمة الشجاعة والبطولة والتضحية والانتماء ، وأعادوا فيها للأمة كرامتها وثقتها بنفسها". فسلامٌ على الكرامة قيادتها وجيشها وشهدائها وأهلها ، سلامٌ على المرابطين حولها ، إذْ ترنو عيونهم نحو بطولات الآباء والأجداد على سفوحها وهضابها وأسوارها ، ويقرأون في دفاتر تاريخهم العابق بالمجد قصص النشامى والفرسان ، وهم ينيرون لنا آفاق الماضي والحاضر والمستقبل ، ويحشذون الهمم والعزائم وهم يستندون إلى الروح الجعفرية ، وقد أيقنوا أنّ الغرور والغطرسة والصلف ، مصيرها الهزيمة والإنكسار والخذلان. ، وأنّ الأصالة التي تجري في الجسد والروح مجرى الدم في العروق هي التي تسمو بمعانيها وقيمها ونواميسها مهما طال الزمن وبعدت المسافات ، ويدرك أهلها الذين تجذرت حضارتهم عبر التاريخ ، أن كل طارئ على هذه الحياة وكل دخيل على هذه الأرض الطيبة سوف يكون مصيره الهزيمة والانكفاء والتقوقع ، فالكرامة المعنى والمعركة ماثلة في نفوسنا وحاضرة مع أطفالنا وأجيالنا ، يحملونها على الدوام عنواناً للنصر والصبر والتفوق على كل الجراحات. وإننا في هذه الذكرى الغالية نرفع الأكف تضرعاً لله العليّ القدير أن يتغمد الحسين قائد هذه المعركة بواسع رحمته وان يمنح جلالة القائد الأعلى الملك عبد الله الثاني ابن الحسين العزم والقوة ليمضي بالأردن قُدماً نحو معارج الرقي والتقدم وأن يحفظ هذه الأرض الطيبة وأهلها الطيبين الأحرار الشرفاء ، وجيشنا العربي المصطفوي ، وأن يرحم شهدائنا جميعاً ويدخلهم فسيح جناته وأن يربط على قلوب أمهاتهم في كل زمانٍ ومكان .
مدار الساعة ـ نشر في 2019/03/20 الساعة 18:30