الارهاب الابيض يضرب نيوزيلندا
مدار الساعة ـ نشر في 2019/03/20 الساعة 12:46
يبدو ان الحضارة الغربية في هذه الايام باتت امام لحظة الحقيقة ، بعد ان اصبح من المتعذر عليها التخفي او التستر لمدة أطول او أكثر خلف شعارات وطروحات ، طالما طرحتها ووفرت لها المساحات والفضاءات الكافية للولوج من خلالها في مشروعها ( القيمي ) الى ابعد نقطة ممكنة ، متجاوزة من اجله المسافات والحدود الجغرافية ، بحجة انها تحمل رسالة انسانية تبرر لها الذهاب بعيدا ، وربما اتباع اي وسيلة حتى وان بدت غير شرعية طالما انها تسعى الى ترويج سلعتها القيمية ، التي ثبت زيفها وبطلانها على وقع السقوط المدوي لمنظومتها القيمية والاخلاقية ، وبانها مجرد اداة مصلحية تجيز لها استهداف دول وشعوب بعينها تقع في اطار هذا المشروع المنوي ترويجه ، وبما يخدم اجنداتها ومصالحها الخاصة ، حتى اذا ما تمكنت من تحقيق ذلك ، كشرت عن انيابها واخذت تعيث الفوضى والخراب على كامل المساحة المستهدفة ، ممثلة بمنطقتنا الجغرافية ذات الملامح العربية والاسلامية ، مستخدمة شتى انواع الاسلحة الدعائية العدائية في شيطنتها ونشر بذور الفتنة والنعرات الطائفية والمذهبية والدينية والعرقية والاقليمية فيها ، لتبقى تعاني من الانقسامات والنزاعات والخلافات .
حتى اذا ما انجزت مهمتها الخارجية ، عادت الى الداخل ..
الى اوطانها ، لتطهرها ممن لجأوا اليها من الخارج تأثرا وتعلقا بمشروعها القيمي ، ليجدوا انفسهم امام الحقيقة المرة ، ممثلة بتصاعد وتيرة التيارات اليمينية المتطرفة في هذه البلدان الغربية ، لدرجة انها اخذت تنافس وبقوة في الانتخابات التشريعية والرئاسية محققة نتائج لافتة ، عززت من حضورها في المشهد السياسي هناك ، اما من خلال الانتقال الى مراحل المنافسة النهائية في الانتخابات الرئاسية ، وان كانت لم تحسمها ، واما من خلال زيادة حصتها من المقاعد البرلمانية في رسالة واضحة ومهمة الى قدرتها الى الذهاب الى ابعد من ذلك مستقبلا ، وربما في المستقبل القريب ، بحيث تصبح في دائرة صنع القرار ، وتصبح قريبة جدا من تحقيق برامجها واجنداتها العنصرية الشعبوية ، ذات النزعة القومية المتطرفة ، المستندة الى خطاب الكراهية تجاه الاجانب واللاجئين والمهاجرين والاقليات وفي مقدمة ذلك الاقلية المسلمة ..
في إشارة الى ان صعود اليمين المتطرف ، وتأييد خطابه العنصري يمثل تغيرا في المزاج العام الغربي ، ويعبر ايضا عن مخاض سياسي جديد في المجتمعات الغربية قد يقود الى احداث تغيرات في الخارطة السياسية لهذه المجتمعات ، بطريقة قد تؤثر في مستقبل الأنظمة السياسية والمنظومة القيمية الديمقراطية فيها في ظل الزيادة اللافتة في شعبية هذه الأحزاب المتطرفة ، كحزب الجبهة الوطنية في فرنسا ، وحزب البديل في المانيا ، وحزب الحرية في النمسا ( خسر رئيسه نوربرت هوفر الانتخابات الرئاسية التي جرت مؤخرا بفارق 16الف صوت حيث حصل على 49.7% ، وحصل الحزب على 40 مقعدا من اصل 183 مقعدا في المجلس الوطني ) ، وحزب الفجر الذهبي في اليونان ( حل ثالثا في الانتخابات التشريعية ) وحزب الشعب في سويسرا ( حصل على حوالي 30% من الأصوات في الانتخابات التشريعية ) ، وحزب الحرية في هولندا ( زعيمه خيرت فيلدرز المعادي للاسلام ) وحزب الاستقلال في بريطانيا .
ما يؤشر الى انتشار خطاب الكراهية والعنصرية والتطرف في المجتمعات الغربية بصورة قد تشعل الصراعات الحضارية والدينية في الساحة العالمية .
في تأكيد على وجود ارضية شعبية تدعم التوجهات العنصرية والمتطرفة .
وما قام به الارهابي المجرم والمتعصب اليميني القومي المتطرف المتشبع بالاسلاموفوبيا ، برينتون تارانت منفذ مجزرة نيوزيلندا في مسجدي مدينة كرايست تشيرتش ، الا نتاج لهذه العقلية العنصرية في ظل ازدياد جرائم الكراهية في المجتمعات الغربية بنسب كبيرة ولافتة في الاونة الاخيرة ، وبدوافع دينية تحمل طابعا اسلاموفوبيا ( جرائم الكراهية الاسلاموفوبية ) بعد انتشار الخطاب المعادي للاسلام ، والتي ترتكب باسم تفوق العرق الابيض ، انتصارا للنزعة القومية البيضاء ، بحجة حماية الحضارة الغربية والعرق الابيض من الغزاة الاجانب ، بطريقة قادت الى اثارة تساؤلات عالمية مقلقة عن مدى تحول النزعات اليمينية الشعبوية والقومية المتطرفة في الغرب الاوروبي والأمريكي الى ادوات ايديولوجية ، تتكاثر وتنتشر باضطراد ، لتنقض على الاخر وتقتله لمجرد اختلاف لونه او عرقه او دينه ، ما يمثل تهديدا للعالم ، نتيجة بث معتقدات عنصرية ومتطرفة متعلقة بتفوق العرق الابيض .
حتى ان هناك من يتهم قادة في العالم الغربي في الوقوف خلف مخاطر القومية البيضاء وتغذيتها .
لا بل ان من يسمون بالقوميين او المتطرفين او العنصريين البيض او الجدد من انصار تفوق العرق الابيض ، قد اشادوا بالارهابي المجرم تارانت مرتكب مجزرة المسجدين في نيوزيلندا ، وعبروا عن فرحتهم وسعادتهم بهذه المجزرة ، واصفين مرتكبها الارهابي بالبطل .
في اشارة الى تنامي هذه الظاهرة اليمينية المتطرفة بشكل قاد الى الحديث عن عنصرية مؤسسية في الغرب .
مدار الساعة ـ نشر في 2019/03/20 الساعة 12:46