«قمة عمّان» وقضايا العرب الساخنة

مدار الساعة ـ نشر في 2017/03/03 الساعة 23:17
إنها خطوة أردنية شجاعة قادها جلالة الملك عبد الله الثاني بدعوة العرب لعقد قمتهم هنا في «عمّان» بعد تعذر انعقادها في «صنعاء» عاصمة اليمن الشقيق، وسط ظروف عربية غاية في التعقيد والتشابك منذ اندلاع الربيع العربي عام 2010 من تونس «محمد ابو عزيزي»، وقبل ذلك من العمق المعاصر عندما تحركت رمالهُ في العراق عام 2003.

وبغض النظر، سواء كنا كعرب مع او ضد وفقاً لقناعاتنا وقراءتنا للمشهد العربي برمته، مروراً ببركان ثورة 25 يناير المصرية، وثورة 17 فبراير الليبية، وثورة اليمن التي قادت للإطاحة بنظام (علي عبد الله صالح)، وامتداد ذلك تجاه الأراضي السورية المجاورة، ونجاة الأردن من حراكه بحكم الحكمة الرشيدة وبعد النظر وتقديم السياسية على الامن والعسكرة، تأتي قمة «عمّان» بتاريخ 29/آذار/2017 واضعة الاصبع الاردني على الجرح العربي، وملفته لانتباه العرب لأهمية إسناد الأردن، القلعة الصامدة بوجه الأرهاب، والمخدرات والتهريب، وصاحب اطول اطلالة على مناطق العرب والشرق الساخنة مثل فلسطين و(أسرائيل)، وسورية، والعراق. وتزامناً مع احتفالات المملكة بعيد نصر «الكرامة» و «الأم» 21 آذار أعطى معنا أضافياً لجبروت الأردن وحصنه المنيع وحصافته.

والحضور العربي لقمة «عمّاننا» التي أتحفها شاعرنا الكبير حيدر محمود بقصيدة شعر ذات وقت، حيث قال: «أرخت عَمّان جدائلها فوق الكتفين، فأهتز المجد وقبّلها بين العينين، بارك يا مجد منازلنا والاحبابا، وازرع بالورد مداخلها باباً بابا، نفضل أن يكون الحضور العربي كاملاً غير منقوص، خاصة وان الجرح العربي كبير، وأكبر من أي وقت مضى. وعيون العالم من الخارج تراقبنا وتتابع نجاحاتنا، وإخفاقاتنا على حد سواء، وكل نجاح يسجله العرب يصب في خدمة تنميتهم الشاملة وفي سمعتهم الدولية الطيبة، وأي تراجع يقود لصالح الجهات المعادية لنا نحن العرب؛ والتي عنوانها في عصرنا هذا يتعدى (اسرائيل)، التي ترفض السلام في زمن معاهدتي السلام 1979/ 1994 (المصرية والاردنية)، وتبقي على اراضي العرب محتلة.

ومثلي هنا (الجولان) السورية، و(مزارع وتلال شبعا) اللبنانية، وتعمل ليل نهار من أجل تثبيت الاستيطان وانتشاره، وإلغاء ادانته دولياً، وبهدف تهميش دولة فلسطين، وعاصمتها القدس الشريف، وحق العودة، والتعويض... وعداء يصل إلى عمق طهران، التي تواصل احتلالها لجزر الأمارات الثلاث (طنب الكبرى، والصغرى، وابو موسى)، وتخترق بلاد العرب بهلال شيعي مكشوف وغير حميد، وتعمل ليل نهار على زيادة امتداد خارطته في زمن هم العرب فيه بأمس الحاجة لوحدتهم الحقيقية التي ناداهم اليها شريف العرب وملكهم الحسين بن علي.

(المؤرخ الاردني الكبير سليمان الموسى في كتابة الحركة العربية صفحة (695) دوّن قائلاً: «أن الوثائق المتوافرة بين ايدينا تدل أن الملك (أي الشريف حسين) كان يتصور وحدة بين الأقطار العربية المتعددة ترتبط بعضها مع بعض بروابط تشبه روابط الوحدة بين الولايات المتحدة الأمريكية، بحيث يتمتع كل قطر بالاستقلال الداخلي التام بينما تتولى الحكومة المركزية السياسة الخارجية، وبحيث تتمثل الوحدة في العلم الواحد والنقد الواحد وجوازات السفر الواحدة، والمصالح الاقتصادية الواحدة والجيش الواحد).

والإرهاب الذي غزا بلادنا العربية ترعرع داخل خلايا الجناح السلبي للوهابية، واستخدم لمقارعة السوفييت في افغانستان عام 1979 وسط اتون الحرب الباردة العلنية بين الغرب الأمريكي و(الناتو) من جهة، وبين الاتحاد السوفيتي السابق و(وارسو) من طرف آخر، وانتشر بعد ذلك على شكل مكونات سرطانية، وارتحل من بلد عربي إلى آخر، وامتد إلى الخارج بمؤازة قوى الأحتلال، والاستعمار، والاستخبار العالمي. ارهاب ارتكز على التطرف الديني وعلى الايدولوجيا المتطرفة والمتشددة تحديداً مثل (الخوارج)، وعلى جموع المرتزقة من كل صوب، وامتهن المال الديني والسياسي، ومارس ولازال يغسل الاموال والأدمغة.

وأفضل ما كتبه عبد الباري عطوان في مؤلفة «القاعدة – التنظيم السري صفحة 15 هو ان (ما يمّيز تنظيم «القاعدة» عن غيره من التنظيمات الاخرى، هو قدرته على المفاجأة، وتطوير نفسه من خلال التوسع، وإنشاء فروع جديدة في مناطق عديدة من العالمين الاسلامي والغربي، وهذا ما يفسّر فشل محاولات استئصاله أو القضاء عليه رغم الجهود والأموال الضخمة وتعدد الجهات الاستخبارية العالمية المتحالفة من أجل تحقيق هذا الهدف)، وفي صفحة 355 منه كتب عطوان يقول أيضاً: (في أيلول/ سبتمبر 2007 حذرت احدى المؤسسات الأمنية الهامة في العالم، وهي المؤسسة العالمية للدراسات الاستراتيجية (1122) من أن «جوهر» القاعدة لا يزال قادراً على التأقلم والمرونة، واستنجت أن «التهديد الناجم عن الإرهاب الاسلاموي يبدو أنه متجه نحو الأسوأ، وفي صفحة 370 منه أيضاً استرسل عطوان قائلاً: فالقاعدة تضّم بين صفوف اعضائها والمؤيدين لها اشخاصاً يرتبطون بالوهابية والشافعية والمالكية والحنفية، بل إن بعضهم يعتنق معتقدات وممارسات تتعارض تعارضاً مباشراً مع السلفية).

ويقابل هذه المعادلة السوداء اعلاه دروس الماضي في شرقنا ومنه العربي التي قادتها امريكا (جورج بوش الابن) ومن ثم (اوباما) في افغانستان، والعراق، وليبيا، واليمن، وسورية، والتي اطاحت بأنظمة عربية جمهورية وبجيوشها وقادتها، وفتحت سجون متمرديها لتدب الفوضى وليزداد القتل والتشريد وهو ما حصل لاحقاً وبالتدريج مما ساهم في انتشار عصابات داعش المجرمة، وأرادت تكرار نفس السيناريو في (دمشق) لولا ظهور الدرس الروسي المقابل، الذي نجح في مطاردة الإرهاب المتمثل في صفوف (القاعدة) وعصاباتها الرئيسة (داعش)، و(النصرة) وغيرها. إضافة إلى تقديم المساعدات الإنسانية ومنها الطبية، وفي فتح معسكرات لصغار الشباب داخل روسيا نفسها بقصد الايواء والحماية، ونظفت المدن السورية من الالغام، ومنها (تدمر) و(حلب) مثلاً، وحققت، أي روسيا نجاحات متتالية في السياسة والدبوماسية مع النظام السوري، ومنه في موضوع سلاحه الكيمياوي عام 2013، ومع أمريكا، والأمم المتحدة، ومجلس الأمن، ومع إيران وتركيا عبر مؤتمرات (جنيف) مروراً بالاستانا في كازاخستان، وأشركت بعض العرب مثل السوريين من موالين ومعارضين بصفة مراقب إلى جانب الأمم المتحدة. وقررت، أي روسيا (بوتين) أن تكافح سياسياً حتى النهاية، وأن تعقد هدنة ناجحة تحت رقابة أقليمية، واشركت معها لهذه الغاية (تركيا) و(إيران)، متجاوزة مشاريعهما الجانبية التوسعية.

ويحيط بالعرب الآن قوى اقليمية محركة لرمالنا السياسية مثل (أسرائيل)، و(تركيا)، و(إيران)، ولكل واحدة منها باع في الاحتلال، ومثلي هنا (فلسطين، والجولان، ومزارع وتلال شبعا)، والاسكندرونة، وجزر الأمارات وفي الوقت الذي تمتهن فيه كل من (تركيا)، (ايران) دور الضابط للعنف في سورية، الآن تواصل إيران ممارسته في العراق، وكذلك الأمر بالنسبة لتركيا مع الأكراد الاتراك والعرب في سورية والعراق، وأما (اسرائيل) فأنها ستبقى تمثل رأس الأفعى والمحرك الرئيسي للإرهاب والاحتلال والاستعمار، وتستغل حضورها في أهم عواصم العالم في موسكو وواشنطن وفي أوروبا للإبقاء على ورقة احتلالها لأراضي العرب، ومن أجل عدم أدانه استيطانها غير المشروع على أرض فلسطين، ولتحطيم مشروع حل الدولتين الذي اقرته الأمم المتحدة ومجلس الأمن، وسارت على دربه لإنجاحه اعتى دول العالم، وناسب ذلك اغلبية العرب.

ومن خارج العرب وإقليمهم لاحظنا ولازلنا حراكاً لأهم وأكبر قوتين عالميتين صوبنا متمثلة بالفدرالية الروسية والولايات المتحدة الأمريكية. ولقد سبقت أمريكا روسيا في الوصول الينا، وقدّمت لنا نظرية عسكرية فوقية وأخرى سياسية سرابية غير مقنعه شملت معظم ملفات قضايانا في فلسطين والعراق، وليبيا، وسورية، واليمن، ثم تبعتهما روسيا مرتكزة في الملف السوري تحديداً على الأذن المسبق من نظام دمشق، وعلى البرلمان والاعيان والقصر الرئاسي الكرملين في بلادها، وعلى مجلس الأمن والأمم المتحدة، وبعد التعاون مع أمريكا، فحققت لغاية الآن نجاحات ملموسة على الأرض عسكرياً وسياسياً، واقتنعت بالسياسة أكثر، و(الهدنة) على الأرض، ومفاوضات (الاستانا) و(جنيف) المتتابعة خير شاهد، والآن وبعد فوز الرئيس الأمريكي (دونالد ترامب) في الانتخابات الرئاسية في بلاده ووصوله لسدة منصة السياسة في البيت الأبيض بتاريخ (20 يناير 2017)، كانت التفاؤلات الروسية كبيرة تجاه واشنطن، وربطت الأحزمة ومنعت ذاتها من الرد على نزوات الرئيس السابق باراك اوباما الهادفة إلى احداث شرخ مبكر بين أمريكا وروسيا عبر طرد الدبلوماسيين الروس، والاستمرار في فرض عقوبات مجحفة على روسيا لا تملك حق توجيهها لموسكو أصلاً، في زمن توازن القوى العسكرية والفضائية ومنها التي على مستوى جبروت الترسانة النووية. وفي وقت أصبحت السيادة فيه لكل الأقطاب الدولية وبتوازن وليس لقطب واحد بعينه.

وجدير بنا أن نعرف كعرب بأن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في زيارتيه المتتابعتين الأخيرتين لكل من (موسكو) 22-2-2017، و(واشنطن) 30-1-2017، اقترح على روسيا الابتعاد عن تسمين الجيش العربي السوري الذي يطارد الإرهاب في بلده، ويعتبر المعارضة المسلحة على الأرض إرهاباً أيضاً. حتى لا يصحو من جديد بعد معركة تشرين عام 1973 ويعمل من أجل تحرير كامل الجولان، ويساعد (حزب الله) في تحرير مزارع وتلال شبعا اللبنانية، ولكي لا يتحرك مجلس الأمن ويزعج أمن اسرائيل رغم امتلاكها لترسانة نووية كشف النقاب عنها الخبير مردخاي غعنونو (جون كروسمان) عام 1985، وليتراجع عن قراره الذي أيدته روسيا و(13) دولة من اعضاءه لوقف الاستيطان غير الشرعي في فلسطين، فيما عارضته أمريكا.

وفي (واشنطن) ظهر نتنياهو وهو المزوّر لتاريخ الأردن وفلسطين في كتابه (مكان تحت الشمس)، ففي صفحة (109) منه كتب يقول: (تسلمّت بريطانيا هذا الجزء من أرض اسرائيل إلى الملك عبد الله) ويقصد الأمير عبد الله الأول بن الشريف حسين الذي تقدم الثورة العربية الكبرى المجيدة لبناء الأردن والمنطقة الشامية والدولة العربية رغم مؤامرات الصهاينة والأتراك والانجليز والفرنسيين، ورفع شعار (الوحدة والحرية والحياة الفضلى). وفي صفحة (152) منه كتب نتنياهو في القضية الفلسطينية قائلاً: بأن (النظام السوري ادعى بأن «أرض اسرائيل» ويقصد فلسطين جزء لا يتجزأ من سوريا الكبرى)،...¬ ظهر بأنه (المعزّب) في البيت الأبيض واستغل الفرصة الذهبية أمامه والتي تمثلت بوجود رئيس أمريكي جديد مثل (ترامب) غير عارف بالسياسية الدولية، ومنها الشرق أوسطية، وغير قارئ للتاريخ ليقنعه وهو، أي نتنياهو، المتسلح بمنظمة (الايباك)، و(البنتاغون)، و(الكونغرس) أكثر من (ترامب) بأهمية النقل المجنون والسرابي لسفارة واشنطن إلى القدس دون الالتفات لاحتمال اندلاع العنف في الشرق الاوسط برمته، ومحرضاً ذات الوقت على اتفاقية إيران النووية (5+1) رغم اهميتها بالنسبة لأمن العالم، ومجتهداً لإضاعة وقت الشرق الاوسط ومنهم العرب.

الرأي
مدار الساعة ـ نشر في 2017/03/03 الساعة 23:17