ماذا يعني هجوم المسجدين بنيوزيلندا.. في قادم الأيام
مدار الساعة ـ نشر في 2019/03/15 الساعة 22:57
بقلم: بارق محادين
أخطر ما يواجه ويقود عالمنا اليوم هو الفكر المتطرف. أي أنا وحقيقتي المطلقة فقط، ولا حق للآخر (الديني، العرقي، الطائفي، الجنسي، الاثني، الجهوي... الخ) في الوجود. انشطار ثنائي حاد يقطع أوتار هذا العالم ويدفع به نحو الهاوية.
الفكر المتطرف هو عقلية ترى العالم بلونين فقط: أبيض أو أسود. تشبه تماماً ما نادى به جورج بوش الابن عقب أحداث سبتمبر في بداية الألفية حين خاطب دول العالم قائلاً: إن لم تكونوا معنا فأنتم ضدنا. لا مساحة رمادية. عقلية دفعت به نحو العراق، مما دفع بالمنطقة نحو الخراب، ثم دفع بالعالم أجمع نحو اليمين المتطرف والشعبوي. ولنا رصد التبعات من الفلبين في جنوب شرق آسيا مروراً بدواعش منطقتنا وجماعات مناهضة اللجوء في أوروبا وحركات الإسلاموفوبيا في أمريكا. إذ أن لكل فعل ردة فعل.
عقلية شاركه بها تنظيم القاعدة من قبله، وتنظيم داعش من بعده، وبينهما التيارات والصحوات والجماعات التي خلقت "آخر" ثم استباحت دمه. ليس انتهاءً طبعاً بالرئيس ترامب الذي يعتقد بأن "الإسلام يكرهنا.." ومستشاره السابق للأمن القومي مايكل فلين الذي صرَّح بأننا في "حرب مع الإسلام". منطق أنتج سردية ثنائية جاهلة ومنغلقة على ذاتها، زادت من مخاطر العالم وتحدياته الأمنية.
وهي كذلك حالة استقطاب وتجييش. يساهم بها الإعلام المسيّس عندما يكيل تهمة الإرهاب بمكيالين؛ فالأبيض غير الملتحي هو مختل عقلي، وذو الملامح السمراء هو إرهابي ولو تعذَّر إثبات ذلك. إعلام يغض الطرف عن احتفاء البعض على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي بالقاتل والعنف الذي مارسه، ولا يسلط ضوءاً على حقيقة أنّ السلطات لم ترصد تطور الحدث وتتدخل من أجل منعه. إذ نقل موقع رويترز أن حساب برينتون تارانت على تويتر قد أُنشئ منذ الشهر الماضي، وقد ورد على أحد المنتديات أنه سينفذ الهجوم وسيقوم بنشر بث حي له على الفيسبوك. إعلام يطالب المسلمين بالاعتذار عما يقوم به أبناء أو بنات دينهم، بينما يؤطَّر الهجمات المماثلة من قبل الجماعات الأخرى في حدود الذئبية الفردية والحالات الشاذة.
نعم، فكرة وممارسة تفوق البيض هي إرهاب. إرهاب مطلق غير مشروط. ومنفذ مذبحة مسجدي نيوزيلندا اليوم هو إرهابي خطط للهجوم بحرفية عالية وأمعن في العنصرية والحقد. وقد قدَّم بهجومه المأساوي هدية ثمينة لكل الجماعات المتطرفة الأخرى، الإسلامية وغيرها. سيحتفل داعش بهجوم اليوم في السر وسيستشيط له غضباً في العلن؛ إذ يتساوى معه في الفكر والذنب والجرم والممارسة. مدرسة واحدة، بتبريرات وحواضن ثقافية مختلفة. لا نبرئ أحداً، بل ندين هذا التطرف أينما وجد -عندنا وعند غيرنا. وقد ألقى منفذ الهجوم اليوم بطوق تجنيد ودعاية إعلامية وسياسة أشبه ما يكون بطوق النجاة لهذه الجماعات، وبالتوازي ألقى بنا نحن في مزيد من الدوران في دوامة العنف والتطرف.
مدار الساعة ـ نشر في 2019/03/15 الساعة 22:57