مجالس منزوعة الدسم

مدار الساعة ـ نشر في 2019/03/15 الساعة 00:04
في العشرات من المجالس المنتخبة والمعینة تغیب الكفاءات الاكثر قدرة وتأهیلا الأصل في المجالس أن تكون كیانات تجمع أصحاب الخبرة والقدرة والاختصاص لوضع إمكاناتهم وقدراتهم في خدمة الاهداف والمهام التي وجد من اجلها المجلس وبصورة تتجاوز الاحكام والقرارات الفردیة التي یمكن ان یتخذها الحكام او المدراء والرؤساء. لفترات طویلة من تاریخنا العربي كانت المجالس تشتمل على حاشیة الحاكم وجلساء العالم وتلامذة الفقیه بحیث تسمى المجالس بأسماء الحكام والعلماء الذین یدیرونها. الیوم ومع تغیر الاوضاع ما تزال فكرة المجالس اسیرة لنظام المشیخة الدینیة والعشائریة التي توارثها المجتمع العربي عبر القرون. الشكل الحداثي للدول والمؤسسات لم یساعد في التخلص من النموذج الأبوي لتركیبة المجالس واسلوب اداراتها وعملها. ففي مختلف المجالس التي یتم تشكیلها ككیانات للادارة والتطویر یكتسب كل مجلس هویته ومكانته وطابعه من اهمیة رئیسه الذي یتولى وبصورة منفصلة تقدیم الافكار والمقترحات ومشاریع القرارات لتتماشى مع التوجهات العامة للمؤسسات التي یرتبط بها. لذلك فإن من غیر المتوقع ان تقوم المجالس بأدوار مهمة في توجیه وتطویر العمل بما یختلف عن ایدلوجیة وافكار الرئیس الذي یتم اختیاره بعنایة. لذا وعلى خلاف ما یعنیه المفهوم في المجتمعات الغربیة والحضارة الانسانیة ینظر العرب للمجلس باعتباره كیانا له بناء وتنظیم تراتبي محافظ یدیره عالم أو شیخ أو امام أو فقیه أو رئیس بحیث یكون هو الراعي والمنظر والمحرك الذي یدیر ویوجه ما یدور في المجلس ویأمر بانعقاده ویشیر الى انتهائه ویحدد مجریاته. في الأردن الیوم لا یحتاج المرؤ للكثیر من العناء لكي یلاحظ الاكتظاظ الذي تشهده البلاد في اعداد المجالس واللجان. فلا یوجد مؤسسة او بلدة او تنظیم بلا مجلس او هیئة او لجنة تدیره او تشرف وتتابع بعضا من المهام والادوار. بعض هذه المجالس واللجان للادارة والآخر للتشریع وهناك مجالس للحكم المحلي والتخطیط والاستشارات وللتحقیق والتقییم وغیرها. بعض المجالس منتخب والآخر معین. في النظام السیاسي الأردني نشأ مجلس المشاورین مع نشأة الدولة وقد ضم مجموعة محدودة من الشخصیات العارفة بطبیعة المرحلة وتوجهات الدولة ومستلزمات بناء أنظمتها فكان ان تولى بعضهم مهام تشریعیة وتنفیذیة الى ان انبثقت مجالس جدیدة أحدها للنواب والآخر فیما بعد للاعیان. الكثیر من المجالس لا تضیف كثیرا بل تتحول الى عبء ثقیل على الدولة والمؤسسات التي ینبغي ان تستفید من وجودها. بالرغم من مشاركة الشعب في انتخاب المجالس النیابیة والبلدیة الا انها لا تحظى بالقبول والرضا من قبل شرائح المجتمع. الاسباب الكامنة وراء ضعف الثقة بالمجالس یعود للانفصام الثقافي الذي تعاني منه مجتمعاتنا. فالناخب یفضل التصویت للاقارب والاصدقاء لعضویة المجالس على حساب الاشخاص الاكثر تأهیلا وكفاءة ولا یتردد في نقد ولوم المؤسسة البرلمانیة على مستوى الاداء غیر المرضي متجاهلا مسؤولیته في الاختیار للاشخاص الاقل تأهیلا وإدراكا للمهام والمسؤولیات. في العشرات من المجالس المنتخبة والمعینة تغیب الكفاءات الاكثر قدرة وتأهیلا على التشریع والتخطیط والرقابة، الأمر الذي یضعف اداء المجالس ویحرم المؤسسات من التطویر والتقدم والتنافسیة التي تحتاج لها. أساتذة السیاسة والاقتصاد والفلاسفة وفقهاء القانون لا یتواجدون في المؤسسات التشریعیة ومجالس الادارات والتخطیط التي تعج باشخاص واعضاء تنقص الكثیر منهم المعرفة والخبرة والدرایة التي تحتاج لها المجالس.
مدار الساعة ـ نشر في 2019/03/15 الساعة 00:04