الشيف شربيني والمنسف

مدار الساعة ـ نشر في 2019/03/12 الساعة 00:30
أتابع بشغف برامج الطبخ على المحطات العربية والأجنبية، ولربما أكون من أشد المهووسين بها، «قناة فتافيت « المتوقفة حاليا عن البث، وcbc سفراء المصرية وmbc والجديد اللبنانية وفيديوهات الشيف التركي الشهير بوارك، ورغم أني لست شهوانيا بالطعام، ولكن هناك اهتمامات أحيانا تولد في غير بيئتها النفسية، بمعنى عارض نفسي وبيولوجي وإنساني.
المهم، فأكثر ما دفعني الى الكتابة عن هذا الموضوع أمران، ولربما لهما ثالث : فالاول لغة مقدمي البرامج، وللوهلة الاولى، تظن أن لغة الطبخ قاموسها مستقل، ومن الصعب أن يمتزج ويختلط بالسياسي. فما أن تكون من المتابعين حتى تكتشف مثلا في طبخ الزغاليل مدارس واتجاهات متناحرة، على طريقة الشيف شربيني المصرية والشيف رمزي والشيف بيار خوري.
و الأمر الثاني : أن برامج الطبخ تبرز هويات وطنية تائهة وأخرى نقية وجامدة، فالشيف التركي بوراك مثلا، منحاز بالمطلق للمطبخ التركي بموروثه وحاضره، وكذلك بعض من برامج الطبخ اللبنانية ينحني محورها عن اي اهتمام من خارج المطبخ اللبناني، وهو ثري وعامر بتشكيلات طعام عريقة من اللحم والدجاج والاسماك، والمقبلات الباردة والساخنة.
و الأمر الثالث، حتى في برامج الطبخ تحس بواقع طبقي، هناك أكلات مثلا لطبقة الاثرياء، ولربما نحن الغلابة لا نعرف طريقة أكلها على الاتككيت، ان تم تقديمها على سبيل الافتراض ؟ فالمطبخ اختبار للذائقة الطبقية، والترف والثراء والبذخ لا تخلو مظاهره من أنواع طعام، وهذا ما أحاول دائما أن اتجنب متابعته.
أما المنسف، ولحد طول متابعتي لبرامج الطبخ العربية، فلم أصدف أن رأيت شيفا قدمه في برنامجه، ولربما هي خصوصية أردنية، وما هو أبعد مركب هوية وطنية. المنسف والجميد واللحم البلدي، والسمن، مشتقات أولية من الصعب أن يجمعها أي شيف مهما كانت هوايته بالغة الشطارة والعبقرية والمهاراة.
وحتى برامج الطبخ المحلية، فأحيانا يشوهون المنسف، ولا يعرفون كيف يقدمونه على أصوله للآخرين. فترى الشيف يرش كزبرة وفستق على سدر المنسف بعدما يدلق الشراب «اللبن «. وتابعت شيف على محطة أردنية سلق اللحمة، ومن بعد وضعها في اللبن، وهذا خطأ كارثي وجسيم، ويلحق في مذاق المنسف لمن يعرفه على أصوله تشوها عميقا.
الشيف شربيني على محطة مصرية طبخ مقلوبة وأوزي وبرياني، وهي أكلات من خارج المطبخ المصري، الا انه عند المنسف يتحدث بمديح وإثراء دون أن يقدم على خوض التجربة، فيبدو أنها صعبة على أي شيف في العالم ما دامت المواد الاولية غير طبيعية، ولا أصلية أو بلدية، وخصوصا الجميد الكركي.
و أكثر ما يجعلني أفتخر بالجميد الحكاية التاريخية للمنسف، فكما يروى فإن ملك مملكة مؤاب الملك ميشع، رحمه الله، حين هزم العبرانيين احتفل بطبخ اللبن مع اللحم، وهو ما يحرمه اليهود كما يُقال. وما اروعها من معركة وطنية وحضارية! الدستور
  • عربية
  • منح
  • الكرك
  • الملك
مدار الساعة ـ نشر في 2019/03/12 الساعة 00:30