«ياسرعرفات» في مقبرة سحاب
مدار الساعة ـ نشر في 2019/03/12 الساعة 00:24
يوم أمس كنا في مقبرة سحاب الكبيرة، شاركنا في دفن أخينا أحمد سالم من «القباب» رحمه االله، ولك أن تتخيل في المقبرة الواسعة كم من الجثامين تصطف لدفنها، ومع كل جثمان مجموعة من المشيعين، وعقب الدفن يقف «الوعاظ» ممن يرجى صلاحهم وتدينهم وعلمهم، ليقدموا موعظة للأحياء، تدعوهم الى الإستقامة وطاعة االله الذي يأمر بالمعروف ومحبة الناس والتعاون على البرّ والتقوى، وهذا ما كان من أحدهم حين وقف على رأس قبر ميت آخر ليس ببعيد وأطلق لسانه يلهج بالدعاء.
الموقف حزين لموت أحباء لأهليهم، والحشد ملتف حول الخطيب، والخطيب يدعو االله أن يوحد ما بين حركة فتح وحماس، ونقول معه آمين، ولكنه نسي الميت وأهله وأخذ يدعو للشهيد الرئيس ياسر عرفات، وأخذ «يجأر» بالدعاء على من قتله، ويتمنى على االله أن يقتص ممن كان ضده ومن حاربه ومن حاصره ومن قتله، وأن يجعل جهنم مثواهم جميعا، وهذا لا بأس به بما أن االله لن ينظر الى وجوهنا ونحن نشيح بوجوهنا عن مرضاته، ولكن المشهد البائس أن هناك من يؤمن على ما قاله، ولم يكن للميت نصيب من الدعاء بقدر نصيب ياسر عرفات، وأين، في مقبرة الأصل أنها مكان ليتعض الإنسان لا ليعوّج اللسان.
في مقبرة سحاب لك أن ترى الأموات يسكنون قبورهم متجاورين لا يزحف أحدهم على الآخر، ولا يتزاحمون ولا يتراجمون ولا يتخاصمون، وكل قبر فيه ميت ليس له قربى أو جوار من قبل لجاره الآخر، ومع هذا يأتي الأحياء البائسون ليزعجوا عظام الموتى بخزعبلات لم تحرر أرضا ولا تنقذ شعبا ولا تحمي عرضا ولا تصنع مستقبلا، والقدس ما زالت إرثا للصليبية الصهيونية يتداولونها بينهم، ونحن نتفنن بكراهية بعضنا، ونستغل أي مناسبة لنكئ الجروح والدمامل التي يتغذى عليها أعداء الداخل والخارج ممن يبتسمون لنا وسيوفهم علينا، فنسينا قضيتنا السياسية الأولى ودربنا أطفالنا لهتافات المدرجات القذرة.
لست من هواة اللعب على الأوتار الملتهبة أو استغلال المناسبات لضرب «الأسافين» السياسية أو الإجتماعية، ولكن هناك ما يجعلك تدرك جيدا كم من المغفلين والجهلة بل والبلهاء الذين ينقادون كالقطيع خلف هرطقات لأشخاص خبثاء إن لم نقل أنهم أكثر جهالة من القطيع الشارد خلف الشعارات الغبية، في زمن أصبحت أجهزة الإستخبارات العالمية تضع أي شخص أو منطقة تريدها تحت «تيلسكوب» تصويري أو تنصت مباشر بفضل التكنولوجيا الخارقة، ومع هذا لا تزال شعوبنا تعبد الأصنام السياسية حتى وهي ميتة.
هذا القول لا يتعلق فقط بما يجري في ملاعب كرة القدم التي أسست لثقافة الكراهية عند الأطفال، بل يتعلق بمن يظنون أنفسهم سادة السياسة والإدارة والبرلمانات والحكومات من الفاشلين والمفشلين، من إرث من سجنونا في هذا الكهف الموحش، لنبقى أعداء بعضنا لا أعداء للصهاينة المعتدين، ونبقى نعيش في كذبة الماضي وننسى أن نستفيق لنرى خيبتنا القادمة.
الرأي
مدار الساعة ـ نشر في 2019/03/12 الساعة 00:24