هل «عقمت» بلدنا أن تلد رجلاً مثل «بيل غيتس»؟

مدار الساعة ـ نشر في 2019/03/10 الساعة 00:35

فيما يضج الناس وتغلي البلد تحت وطأة الاحساس بأزمة اقتصادية ومعيشية صعبة، وفيما تقف الحكومة على قدم واحدة لمواجهة هذا التركة «الثقيلة» بقليل من الحيلة والقدرة، يتردد سؤال يبعث على الحيرة، وهو : اين الاثرياء والمليونيرية في بلدنا، ولماذا لم يتحرك راس «المال الوطني» ليمارس جزءا من واجبه الوطني..؟
ثم،اليس من الاولى قبل ان نعتب على اخواننا العرب الذين لم يقصر بعضهم في مساعدتنا، وقبل أن «ننتظر» المعونات التي وعدنا بها «اصدقاؤنا» الاجانب، ان نسأل اثرياءنا الذين يملكون مئات الملايين: ماذا قدمتم لبلدكم، ولماذا تبخلون على اخوانكم الفقراء والمحتاجين الذين لهم «حق معلوم» في ثرواتكم.
للاسف، حتى الان لم نسمع في ظل الازمة الخانقة التي نعاني منها اي صوت لهؤلاء الاثرياء في بلدنا، لا احد منهم تحرك لكي يتبرع ببضعة ملايين لخزينة الدولة، لا احد اطلق مبادرة معتبرة لمساعدة الفقراء في مجتمعنا.. او نزل من مكتبه والتقى هؤلاء الشباب المعطلين عن العمل ووعدهم ان ابواب شركته مفتوحة لتشغيلهم، قليل منهم وزع طرود الخير هنا وهناك تحت اضواء الكاميرات.
ارجو ان لا يقول لي القارئ الكريم ان الحكومات تتحمل مسؤولية هذه الاوضاع الاقتصادية الصعبة التي وصلنا اليها، وان تدبير فرص العمل للشباب الذين يبحثون عنها من واجب الدولة بكافة مؤسساتها، فانا - مثلك - اعرف ذلك تماما واطالب الحكومة ان تقوم بواجبها تجاه الفقراء والمحتاجين - وما اكثرهم الان في بلدنا -، لكن اليس من حق الناس على هؤلاء الاثرياء الذين «اكلوا» من خيرات البلد واستثمروا اموالهم فيها، ونجحوا بفضلها ان يكون في اموالهم نصيب «للسائل والمحروم»؟، أليس من حق بلدهم عليهم ان يدفعوا جزءا مما لديهم، سواء على شكل ضرائب او زكاة او مساعدات للمجتمع الذي خرجوا منه وعاشوا فيه؟ ليس من باب الصدقة والاحسان فقط، وانما من باب الواجب الوطني الذي تفرضه ابسط قواعد الاحساس بالمسؤولية الاخلاقية .
لدينا – حسب معلومات معلنة ومعروفة - طبقة من «المليونيرية» بعضهم تتجاوز ثروته عشرات المليارات ـ هؤلاء اكتسبوا اموالهم من خيرات البلد، واستفادوا من الاعفاءات التي منحت للمستثمرين، او من النوافذ التي تركتها لهم القوانين، وربما من اشياء اخرى.
ليس منّةً ابداً أن يدفع هؤلاء من اموالهم لاخوانهم الفقراء، ولا يجوز ان يحملوا البلد «جميلاً» اذا ما ساهموا في تغطية جزءٍ من مديونيته، هذا واجبهم لأنهم مدينون للدولة بكل ما جنوه من ارباح، ولأن في هذه «الاموال» حق لاخوانهم في الفقراء، ولان «امتناعهم» عن ذلك سينعكس عليهم آجلاً ام عاجلاً فالفقر يجر الكفر، ويجر ايضاً ما لا يسلم منه أحد، غنيا كان او فقيراً.
لا اطالب الفاسدين «بالفزعة « للبلد، ولا اريد ان اسأل : من اين جاؤوا بهذه الثروات وكيف تحولوا في «غفلة» منا الى مليونيرية؟ فهؤلاء الذين نطاردهم باللعنات بسبب فسادهم، لا علاقة لهم اصلا بالاردن، ولا تشغلهم ازماته ومشكلاته، لأن كل ما يطمحون اليه هو المزيد من الثروة، والمزيد من «النهب»، ولأنهم جاهزون في أية لحظة لحمل «حقائبهم» والسفر على اول طائرة.
يكفي ان نظل نطالب ونطالب الدولة باصرار ان «تكسر « ظهر الفساد، وتضع يدها على الاموال التي سرقت لتعيدها الى الخزينة، وأن تفرض ما يلزم من تشريعات لتحصيل حق «الناس» في هذه الثروات التي يتهرب اصحابها من دفع الضرائب، او في تلك الاستثمارات التي أعفيت لاسباب غير مفهومة، مع ان ارباح بعضها بالملايين.
يبقى سؤال مخجل، وهو : هل «عقمت» بلدنا ان تلد رجلاً مثل «بيل غيتس» او امرأة مثل زوجته «ميليندا» اللذين تبرعا بنصف ثروتهما للفقراء والمحتاجين، او ان تلد «40» رجلاً كاولئك الامريكيين الاربعين الذين استجابوا لدعوة الملياردير الامريكي فتبرعوا بنصف ثرواتهم لتحسين ظروف مجتمعهم؟
لا أدري ولكنني اتمنى ان يكون لدينا مثل هؤلاء. ولو عشرة منهم على الاقل.
الدستور

مدار الساعة ـ نشر في 2019/03/10 الساعة 00:35