أشبعتهم شتماً وتقرير لجنة التخاصية

مدار الساعة ـ نشر في 2017/03/01 الساعة 21:56

* محمد عربيات

اشبعتهم شتما وفازوا بالابل قصة مشهورة لاعرابي اعترضه قطاع طرق وسلبوه ابله وحتى يحفظ ماء وجهه امام قومه قال لهم انه لم يقف مكتوف الايدي امامهم بل اوسعهم شتما ولكنهم فازوا بالابل .

الخصخصة التخاصية او بيع مؤسسات القطاع العام او اي اسم آخر لمرحلة عاث فيها وزراء ومسؤولون قيل فيهم واثير عليهم وعلى دورهم الكثير من الكلام وعن فساد ارتكبوه واستغلال لمناصبهم واثراء على حساب الوطن ومن دم المواطن.

ولكن شيئا لم يثبت بحقهم وكأنهم كانوا يرتدون ما يواري سواءتهم ومنهم مازال خارج الاردن يحمل جنسية اخرى لا يمكن جلبه وفشلت محاولات استرداد ما ثبت بحقه بحكم قضائي ومن خلال وسطاء قدم عرض فتات مما كسبه ليتم وقف مطاردته ولا ندري ان كان مثله مثايل وربما جرى قبول تسويات هزيلة معهم وطي ملفاتهم وكم شاهدنا من تصدي حكومات لمحاولات لاعادة الروح للتحقيق في تلك المرحلة وجرى احباط كل محاولة بحجج صدور احكام من مجلس النواب بالبراءة وعدم كفاية الادلة ونذكر على سبيل المثال هنا ما جرى من محاولات بمجلس نواب سابق بقضية الفوسفات ومشهد رئيس لجنة التحقيق امام وسائل اعلام حزينا وباكيا لفشله بفتح ملف هذه الشركة والواقعة معروفة.

وفي هذا الصدد لابد من الاشارة الى الاحتجاجات الواسعة على خصخصة القطاع العام وبسبب تلك الاحتجاجات فقد وجه جلالة الملك حفظه الله ورعاه حكومة الدكتور عبدالله النسور وبكتاب التكليف السامي بتاريخ 12/10/2012 بتشكيل لجنة لتقييم التخاصية  واثارها وبالفعل تم تشكيل اللجنة بتاريخ 14/1/2013 برئاسة الدكتور عمر الرزاز (وزير التربية والتعليم الحالي) وعضوية اخرين ووضع للجنة عدد من الاهداف والضوابط للعمل بموجبها بما فيها تقييم أوجه استخدام عوائد التخاصية، من حيث مدى وجاهة وقانونية إنفاق عوائد التخاصية .
باشرت اللجنة عملها بشهر اذار 2013 واعلنت تقريرها باذار 2014 وها نحن باذار 2017 مضى ثلاثة اعوام على   اعلان التقرير فماذا جرى يا ترى .
لقد بدات اولى بواكير الخصخصة في الاردن اعتبارا من العام 1994 وظلت متواصلة ولا يزال فكر الخصخصة قائما وله اتباعه ومريدوه ومنظروه ايضا الذين ورغم كل نتائجه السلبية يراهنون على المزيد منه مع انه عمليا لم يبق ما يخصخص سوى الهواء مع وجود عدد من المؤسسات المستقلة التي تلعب دورا حكوميا موازيا لكن وفق منطق وعقلية وثقافة اصحاب هذا الفكر فقد ادى الى اعاقة العمل الحكومي اكثر مما هو معاق واربك القطاع الخاص وفاقم من نفقات الموازنة وزاد من العجز فيها بل وخلق اجواء من المنافسة المحمومة االسلبية بين تلك المؤسسات بعضها البعض وبينها وبين الحكومة ما ادى لاحقا الى التفكير بالغاء او دمج او هيكلة العديد منها بعد ان تبين انها مزاريب للهدر اكثر منها وسائل لتحسين بيئة الاعمال وتفعيل شروط الحاكمية الرشيدة.

ان من تابع موضوع الخصخصة فانه يذهل من الطريقة التي انجزت بها والمؤسسات التي استهدفتها والنتائج السيئة التي ادت اليها والمشكلات التي خلقتها سواء بالفساد الذي طال بيعها او بالعاملين الذين سرحوا منها او بالشركاء الاستراتيجيين العاديين جدا والذين لم يضيفوا اليها جديدا او الملايين التي ضاعت على خزينة الدولة والوطن بسببها او ضياع عوائدها بين سداد ديون عادت للارتفاع حتى بعد تسديد30% منها او الفوارق الحسابية بين اجمالي العوائد واجمالي استخداماتها ومن باب الاستعراض السريع فان عوائد التخاصية من بيع ملكيات وحصص حكومية في المنشات حتى 31/12/2012 بلغت حوالي 1763.6 مليون منها 134مليون دينارمن البوتاس و81.4 مليون من الفوسفات و190.7 مليون دينارمن شركات توليد وتوزيع الكهرباء وكهرباء اربد لكن الاستخدامات من تلك العوائد بلغت 1710.8 مليون دينار بفرق 52.8 مليون دينارلا يعرف مصيرها مع الاشارة الى بعض ما يثير الشكوك ويطرح الاسئلة بخصوص ليس فقط الخصخصة بحد ذاتها وانما عوائدها ايضا وعلى سبيل المثال شراء ومبادلة واعادة هيكلة ديون بمبلغ 1562.6 مليون دينار لكن وفق البيانات المتوفرة في وزارة المالية التي امكن تدقيقها فان قيمة الشراء هي 1416.5 مليون دينار فاين الوثائق والقرارات المتعلقة بهذا الفرق بين الرقمين والبالغ 146.1 مليون دينار ومثال اخر فهناك مبلغ 106.7 مليون دينار من العوائد قيل انه استخدم لاعادة هيكلة الديون التجارية في العام 2003 لكن لا يوجد حوله اي قرار يمكن الاطلاع عليه من مجلس الوزراء صاحب الشان بالموافقة على تلك الهيكلة فاين ذهب؟
وعليه فقد ترتب على الخصخصة جملة من العناصر المؤثرة على المجتمع الاردني وفيه لعل منها:
1) انها كرست ثقافة بيع المؤسسات الوطنية التي تعتبر الملجأ الامن للشعب الاردني والتي لا يملك غيرها او بديلا عنها
2) انها كرست وجود طبقة من رجال الاعمال الليبراليين الذين عاثوا فسادا في الاقتصاد والسياسة والقوانين والتشريعات
3) ان الشفافية لم تكن عنوانا للخصخصة بل كانت الصفقات تتم في ليل وياتي الصباح ليعلن عنها وكانها سرقة
4) ان الكثير من عمليات الخصخصة كانت ستارا لاستيلاء مسؤولين او متنفذين على مؤسسات الوطن من خلال شريك استراتيجي وهمي او علني يلعب دور الحجاب للتغطية على المعني المباشر المحلي بالصفقة
5) ان العمولات والرشاوى كان لها دور في اتمام بعض عمليات الخصخصة بدليل ما نلاحظه من التزامات على الحكومة حتى بعد الخصخصة اتجاه تلك الشركات او المؤسسات وبالتالي تحمل تبعات نشاطاتها حتى بعد بيعها.
6) لعبت الخصخصة الدور الاساس في زيادة عدد العاملين المتقاعدين اما مباشرة من خلال اغراءات او ضغوط مورست عليهم او من خلال نهج اعادة الهيكلة الذي مارسته شركات وبنوك تابعة للقطاع الخاص اصلا ولكنها استغلت حمى الخصخصة للتخلص من العاملين لديها.

وبذلك فقد اثرت الخصخصة بهذه الكيفية على اعداد المتقاعدين مبكرا والذين تكفلت بهم مؤسسة الضمان الاجتماعي اي ان القرار الاقتصادي السياسي المتعلق بالخصخصة كان له تاثير سلبي مباشر على المركز المالي لمؤسسة الضمان وبالتالي على اموال العاملين فيها مما مهد لاحقا لاصدار قانون الضمان الاجتماعي رقم (1) لعام 2014 ليقلص مكاسب هؤلاء العاملين وصولا الى حد الاقتراب من حرمانهم من راتب تقاعدي منصف لهم بالرغم من وجود استثناءات لحالات معينة حددها القانون والذي نرى فيه عورا دستوريا من خلال تعارضه مع النص الدستوري بمساواة الاردنيين بالحقوق والواجبات وهذا ليس محله بهذا المقال .
لقد عبر التقرير الذي اصدرته لجنة الخصخصة عن صدمته وهو يكشف عن علامات استفهام كبرى على خصخصة الفوسفات والاسمنت والكهرباء وشركة امنية ولم يخف الدكتورعمرالرزاز رئيس لجنة التخاصيه عن غياب المكاشفة والمصداقية من الحكومات التي تعاقبت على خصخصة شركات الدولة مما ادى الى ضعف ثقة المواطن بالحكومات وعدم تصديقها متسائلا هل يعقل ان تخصخص الحكومة شركة الاسمنت التي كانت تربح ارباحا هائلة وتعطيها عقد احتكار لمدة 9 سنوات؟
لقد تم تفصيل الانظمة والشروط الحاكمة لما يسمى بالخصخصة على مقاس المعنيين المباشرين بها حصريا وشركة امنيه نموذجا على ذلك حيث الشروط على مقاس الشركة والمستثمرالذي حصل عليها ان هناك من يجد في بعض عمليات الخصخصة فيها شبهات دستورية وان الهدف من عملية الخصصة بيع اصول الشركات ليس الا كما حدث في عملية بيع شركة الكهرباء وان ما تم من عمليات خصخصة كان بحضورالممثل الحكومي وهو ما يضع علامات استفهام على معايير اختياره وفيما كانت لديه توجيهات واضحة من الحكومة مع عدم وجود جهة حكومية محددة تشرف على التخاصية.
لقد كان العاملون هم المستهدفون لتحقيق ارباح وهمية على حساب تطفيشهم من العمل فقد سرح بحسب تقرير لجنة التخاصية 6001 موظف من خمس شركات فقط من اصل 19 شركة المشمولة بالدراسة بموجب عقود واتفاقيات نعلم حجم الاغراءات والضغوط التي مورست على المسرحين للقبول بها باجمالي حوافز لهم قدرت بحوالي 189.3 مليون دينار والعجيب هنا ان اعلى قيمة للحوافز كانت في شركة الفوسفات التي بلغت بالمعدل للموظف الواحد63.4 الف دينار وللاسمنت 48.7 الف دينار والاتصالات 17.5 الف دينار وتوليد الكهرباء 11.5 الف ديناراخذين بعين الاعتبار وجود فرق بالمكافأة فيما بين صغار وكبار الموظفين وقد ترتب على هذا التسريح وفر بقيمة 128 مليون دينار لتلك الشركات سجلت كارباح لها على حساب هؤلاء المسرحين والمغرر بعدد كبير منهم.

لكن ماذا حل بالعاملين الذين سرحوا والذين نتحدث عنهم هنا على سبيل المثال وليس الحصر والذين يشكلون تقريبا 20% من اعداد العاملين في خمس شركات فقط 9% منهم حصل على راتب تقاعدي من الضمان و10.4% لم يحصلوا على الراتب لاسباب تتعلق بشروط استحقاق الراتب من حيث السن وعدد الاشتراكات لان ما يقارب 80% من اجمالي العاملين ظلوا يعملون في تلك الشركات الخمس من مختلف المستويات الوظيفيه العليا او دون ذلك ويشير تقرير التخاصيه الى ان العاملين غير المسرحين ارتفعت رواتبهم بصورة مجزيه واعتقد ان هذه الزياده بالرواتب جاءت على حساب العمال المسرحين ولنيل رضى من لم يسرحوا حتى لا يقوم هؤلاء العمال غير المسرحين باية حركات احتجاج على عمليات الفصل وخاصة من هم بالدرجات المتدنيه حيث لم تجد الشركات اية صعوبه بالاستغناء عنهم لاحقا تحت حجج وذرائع مختلفة.

ولكي تكون الصورة اوضح فان اعداد المسرحين مباشرة من الشركات المخصخصة ومن قطاعات وشركات وبنوك اخرى لا علاقة لها بالخصخصة (وانما استغلتها لتسرح العاملين لديها) يزيد باضعاف الاعداد المشار اليها وهو الامر الذي يتطلب من مؤسسة الضمان الاجتماعي ان تدرسه لتحدد دور الخصخصة في زيادة التقاعد المبكر بدلا من لعن هؤلاء المتقاعدين الذين اجبروا على التقاعد وهم في اوج سنوات عطائهم ماديا ووظيفيا .
ونخلص لنقول ان الخصخصة لم تكن في اطارها العام سوى استغلال لاوضاع اقتصادية قاهرة وضغوط مارسها صندوق النقد الدولي والذي يرعى مصالح الدائنين وطبقة سياسية واقتصادية اغتنمت الفرصة المواتية للانقضاض بسكاكين جشعها على البقرة التي وقعت فكان ما كان من امر هذا الاستهداف لمقدرات الوطن والذي نعيش مفاعيله فقرا وبطالة ومديونية تكسر ظهر الوطن والمواطن وما نراه حاليا من اجراءات حكوميه لحلب المواطن ما هو الا نتيجة حتمية لما جرى لخصخة موارد البلد.

نعم هذا هو حال الخصخصة وهذه نتائجها بيع للمقدرات وتجاوز في الاستخدامات وتلاعب في العوائد وضياع في الموارد وموظفون مسرحون في ريعان العطاء..

لقد مضى على اصدار تقرير اللجنة وتوصياته ثلاثة اعوام بالتمام والكمال ولم يتم اعادة الاموال المنهوبة وجرى الحديث ذات يوم عن التوجه لشراء حصة حكومة بروناي بشركة الفوسفات وبسعر اعلى من سعر السوق ومن اموال الضمان الاجتماعي تخيلوا وبسعر اعلى من سعر السوق بكل صلافه يتم المجاهرة بهذا الامر ومن اموال الضمان الاجتماعي اموال الشعب كما يجري مع رئيس وزراء لبنان السابق نجيب ميقاتي وشراء حصته بالملكيه بسعر اعلى ومن اموال الخزينة اموال الشعب اموال دافعي الضرائب..

للاسف ثلاثة اعوام مضت على التقرير ليكون بمثابة صك غفران لتلك المرحلة وتجارها وسماسرتها ليهربوا بسوء فعلهم وليرزح الوطن والشعب بارقام فلكية للمديونية وصلت الى 94% من الناتج القومي ومن هنا فلا بد من اعادة فتح التقرير والتحقق من اتخاذ الاجراءات الكفيلة باعادة الاموال المنهوبه وليبقى هذا الملف مفتوحا وعدم اغلاقه الا بتسوية كل الاخطاء والخطايا واعادة الامور الى نصابها الحقيقي.

مدار الساعة ـ نشر في 2017/03/01 الساعة 21:56