على طاولة الملك
بقلم : أيمن دهاج الحنيطي *
اكثر ما استوقفني الأيام الماضية، رغم انغماسي بتطورات الساحة السياسية والحزبية الإسرائيلية المتسارعة، هو زيارة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان الى الهند والصين ، وهذا الاهتمام السعودي الكبير بهما لدرجة ان الاشقاء السعوديين يعتزمون تعليم اللغة الصينية في مدارسهم وجامعاتهم، وهذا شيء ممتاز .
في العام الماضي وخلال الأشهر القليلة الماضية، شهدت علاقات إسرائيل مع الهند والصين تناميا ملحوظا تخلله زيارات متبادلة بين رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ونظيره الهندي مودي ، ونائب الرئيس الصيني هان تشنغ، اثمرت عن صفقات تجارية واقتصادية وعسكرية بالمليارات، وتوثيق التعاون في مجالات عدة من أهمها التكنولوجيا والسايبر.
إسرائيل اكتشفت مبكرا جدا الفرص الكامنة في الهند والصين، ولا ابالغ بالقول كان ذلك قبل نحو ربع قرن من الان. ورغم ارتباطها الوثيق بالولايات المتحدة والاقتصاد الأميركي، وخلال السنوات الأخيرة استقرأت تل ابيب جيدا الى اين تتجه البوصلة الاقتصادية العالمية، فعملت سريعا في العام 2017 على استحداث شعبتين جديدتين في وزارة الخارجية الإسرائيلية، واحدة تعنى بالصين، والأخرى للهند .
خلال لقائنا الأخير مع جلالة الملك في قصر الحسينية يوم 10شباط الماضي الى جانب مجموعة مختارة من المحللين والخبراء والإعلاميين، وعلى مدى ساعتين من الصراحة والمفاتحة في كثير من الشؤون المحلية والإقليمية، وبعد حديثي عن الأحزاب والانتخابات الإسرائيلية" و"حل الدولتين"، تحدثت امام جلالته عن موضوع الهند والصين، وكيف ان "الكابينيت" الإسرائيلي وخلال نوفمبر 2018 عقد اجتماعين لتجهيز البنى التحتية الاقتصادية والتشريعات الإسرائيلية، والتهيئة لدخول العملاق الصيني، وذلك رغم معارضة الاميركان لهذا التقارب الإسرائيلي مع الصين، وتهديدات واشنطن الصريحة لتل ابيب انها ستخسر كثيرا استخباريا وعسكريا واقتصاديا .
جواب جلالة الملك خلال الجلسة التحاورية، كان شافيا، ويثلج الصدر، لكنه أشار صراحة الى مواطن الخلل، وكرر ذلك على مسمعي بينه وبيني بعد انتهاء لقائنا به ومصافحته لي للمرة الثانية، حيث توقف جلالته قليلا عندي عند خروجه من القاعة، وبكل تواضع ملكي واحترام مخاطبني : "يا ايمن احنا شغالين على الهند والصين، ولكن ... ( وهنا كرر الملك الإشارة الى موطن الخلل)".
بالرجوع الى الأرشيف الرقمي للديوان الملكي نجد ان الزيارات الملكية للهند والصين لم تنقطع ابدا، فكانت اخر زيارة لجلالة الملك عبدلله الثاني للهند في شباط 2018 ، وللصين في أيلول 2015 ، وقعت خلال هذه الزيارات المتكررة العديد من الاتفاقيات المختلفة، لكن باعتقادي ان المواطن الأردني لم يلمس اثرها الحقيقي بسبب الخلل الذي تحدث عنه جلالة الملك .
عودة الى ما بدأنا به حول زيارة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان والمعروف بالغرب ب MBS للهند والصين والتي لم تات ابدا من فراغ، وكانت باعتقادي خطوة مدروسة مئة بالمئة بعد متابعة سعودية عميقة للشأن الإسرائيلي.
ولا اخفي سرا انني سبق وغردت على تويتر كثيرا بخصوص تنامي العلاقات بين تل ابيب ونيودلهي وبيكين ، ويبدو لي ان تغريداتي وغيرها من البوستات التي رفعتها على صفحاتي المتخصصة بالشأن الاسرائيلي على الفيسبوك، وعلى مدونتي، قد رصدت جيدا، وجرى التعامل معها سريعا بشكل ممتاز، خصوصا اذا كانت مرفقة باستشارات عميقة مدفوعة الاجر ربما قدمتها مراكز دراسات وجهات واشخاص يرصدون كل شاردة وواردة بالشأن الإسرائيلي ،باستخدام مواقع التواصل الاجتماعي، ال" تريند" هذه الأيام، وترجمت على ارض الواقع بزيارات بن سلمان الأخيرة .
أخيرا لا اخرا أقول، ان التجارب الناجحة والمبنية على التخطيط الاستراتيجي السليم، بغض النظر على ايديولوجيات أصحابها ودولها، ينبغي ان تؤخذ على محمل الجد، ويستفاد منها خدمة للصالح العام بعض النظر عن أي اعتبارات.
وهنا ادعو جميع حكومات دول العالم الثالث المرتبكة والمتخبطة في قراراتها ان تستعين بالتجارب الناجحة في العالم للوصول سريعا الى مستوى الريادة ، وهنا ايضا لا بد من الثناء على جهود الاشقاء في الامارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية وقطر، الذين يبحثون عن مثل هذه التجارب، ويستنسخونها بما يتناسب مع متطلبات شعوبهم ومجتمعاتهم ، مستفيدين طبعا من ثرواتهم النفطية ملأتهم المادية.
• الكاتب خبير بالشؤون الاسرائيلية
Hunaiti.ayman@gmail.com