حول التربية والديمقراطية

مدار الساعة ـ نشر في 2019/02/24 الساعة 10:14
بقلم: عبد الرحمن خالد الطوره في بعض المجتمعات الشرقية عموما، ومجتمعنا واحد منها، قليلا ما يؤمن الناس بتعددية الرأي الا كلاما، أما في الواقع العملي، فإنها مجتمعات يسود غالبيتها ما يسمى بعبودية الرأي الواحد، حيث التعصب للرأي الشخصي وعدم احترام للرأي المخالف. وعلى الرغم من هذه الظاهرة المحسوسة والملموسة، تجد الواحد منا على المستوى النظري، انسانا ديمقراطيا ومدافعا قويا عن حرية التعبير والتفكير واحترام الرأي والرأي الاخر وبخاصة اذاما كان بعيدا عن مواقع السلطة والمسؤولية، ولكنه ما ان يتبوأ مركزا معينا ويصبح صاحب سلطة ونفوذ فانه سينعكس رأسا على عقب أي ستجده من أكثر الناس استبدادا وتسلطا وقهرا . ولعل سائلا يسأل ما سبب هذه الظاهرة ؟ والجواب في تقديري يرجع الى طبيعة التربية الاستبدادية التي يخضع لها الانسان في البيت والمدرسة، والتي ينتقل أثرها معه في حياته القادمة. فهذا النمط من التربية الاستبدادية يتم في بيئآت واوساط يغلب على أساليب التعامل بين أفرادها التخويف والترهيب ،وعلى غياب حرية التعبير والتفكير، وبخاصة في المجتمعات التقليدية المحافظة المحكومة بأعراف وقواعد اخلاقية مستقرة تحكم علاقة الآباء بالابناء، والكبار بالصغار، والرجال بالنساء .اما الآثار النفسية السلبية لهذا النمط من التربية ، فأنها لاتنتهي بانتهاء المرحلة العمرية او الدراسية التي يجتازها الانسان ، وانما تبقى مفاعيلها السلبية كامنة ومكبوتة في لاشعوره ، وما أن يتولى من كانت تربيته من هذا النمط مسؤولية ما ، فستجده يتحول الى انسان قاهر ومستبد على مرؤوسيه ، سواء في العمل او في البيت . لقد عبر قاسم امين عن ظاهرة القمع هذه لدى الشرقيين بقوله " ان الرجل الشرقي ظالم في بيته مظلوم في عمله " لأنه عرضة للقمع والاستبداد والاهانات من قبل رئيسه او رب عمله ، دون ان يكون قادرا على الرد بالمثل بسبب ظروف العيش القاهرة التي تجعله مجبرا على بلع هذه الاهانات وتحملها ، لكنه ما ان يعود الى بيته مثقلا بمشاعر الغضب والاحباط والتوتر حتى ينقلب الى مستبد وقاهر على كل من هو أدنى منه في البيت صابا جام غضبه على الزوجة او الأبناء ولاتفه الأسباب بمناسبة وبدون مناسبة. وبعد ، فما أحوجنا الى ترسيخ أسس تربية ديمقراطية في البيت والمدرسة والمعمل والمكتب فبدون ذلك سنبقى نراوح مكاننا في الوقت الذي قطعت فيه امم أقل منا شأنا وعددا وأقل امكانيات وأقل عناصر موّحدة أشواطا كبيرة في معارج الرقي والتقدم نتيجة لأخذها بأسباب التقدم من تعليم متميّز وتربية ديمقراطية تحترم الأنسان وتتيح له حرية التعبير والتفكير. فالتربية صانعة الحرب والسلام والنصر والهزيمة والتقدم والتاخر ومن خلالها تصقل شخصيات الأجيال وتنمى فيها الاتجاهات السالبة أو الأيجابية. يقول الميثاق التأسيسي لليونسكو" لقد كانت الحروب تتولد في عقول البشر، وفي عقولهم يجب ان نبني حصون السلام !" فالحروب تولد في العقول اولا كفكرة ثم تترجم عمليا فيما بعد في ميدان المعارك ولذلك أرجع علماء النفس والأجتماع أسباب ظهور الطغاة كنيرون وهتلر وموسوليني وستالين وغيرهم ونشؤ النظم النازية والفاشية والدكتاتوريات السياسية والعسكرية التي سببت الحروب وما نجم عنها من كوارث وويلات حلت بالبشرية ، الى نمط تربيتهم الأسرية التي اتسمت بالتفكك والصراعات الأسرية والى حياة البؤس والكبت والقهر والحرمان التي عاشها زعماء تلك النظم .اما في تراثنا العربي القديم والحديث فحدث ولاحرج عن قادة من تلك النماذج دون ان نسميهم تاركين ذلك لذكاء القارىء الفطن لأن تسمية بعضهم او جلّهم سيثير ردود أفعال متضاربة لأن ماأعتبره طاغية ومستبد هو في عرف الآخرين بطلا يتغنى بامجاده ويجب ان تقام لتخليد ذكراه أروع التماثيل !
  • لب
  • نساء
  • العمري
  • رئيس
  • عرب
مدار الساعة ـ نشر في 2019/02/24 الساعة 10:14